دور المؤسسات الوطنية في نهضة ليبيا

بقلم ـ الشيخ أكرم الجراري

تقوم الدول وتنهض بحسب نهضة مؤسساتها ، والتي ينبغي أن تتسم بالتكامل والتوحد لتكون داعمة للدولة حتى تستطيع الوصول إلى الأمان والاستقرار.


ولذا فإن المؤسسات الحديثة في كل الدول هي التي تحدد مصيرها، وتحدد مرتبتها بين مصاف الدول، ومن هنا فإنه من الواجب أن يتسم القائمون على هذه المؤسسات بالأمانة، والقوة والشجاعة، بالإضافة إلى الخبرة، التى تمكنهم من القيام بدورهم في نهضة هذه المؤسسات.


وقد بين القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، أن صاحب الكفاءة والأهلية هو الأولى والأحق في القيام بالعمل المطلوب، فيذكر القرآن الكريم عن نبي الله يوسف عليه السلام أنه عندما طلب من الملك أن يجعله على خزائن الأرض، ذكر مؤهلاته التى تمكنه من القيام بمسئولياته على أكمل وجه، قال تعالى: ﴿قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم﴾، وهنا نجد أن يوسف عليه السلام لم يذكر صفة الأمانة فقط، وإنما ذكر الجانب العلمي الذي يستطيع من خلاله تنمية موارد مؤسسته داخل الدولة.


كما علمتنا السنة النبوية المطهرة، أن كل عديم خبرة أو قليل خبرة، أو من لا يملك المؤهلات كاملة ما ينبغي عليه أن يتقدم الصفوف لتولي أمر من الأمور، حتى لا تضيع الدولة، وحتى لا تنهار مؤسساتها، ونجد ذلك في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لسيدنا أبي ذر الغفاري، عندما سأله أن يوليه إمارة، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إنك رجل ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة»، ومن منطلق الحديث نجد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم، قد أخبر سيدنا أبا ذر أنه يفقد شرطاً من الشروط للقيام بهذه المهمة، كونها تحتاج إلى قوة وهو رجل ضعيف، وبالتالي لن يستطيع السيطرة على رعية إمارته فتضيع الأمانة.


فكل وظيفة ذكرت في القرآن الكريم ذكر الله سبحانه وتعالى أن صاحبها يمتلك مقومات القيام بها وبأمرها، فهذا موسى الكليم، عليه السلام، عندما أراد شعيب أن يستأجره، قالت ابنته: ﴿إن خير من استأجرت القوي الأمين﴾، كون هذا العمل يحتاج إلى قوة ويحتاج إلى أمانة.


ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان دائماً يضع كل إنسان في موضعه المناسب بعيداً عن القرابة والمجاملات، حتى تنهض مؤسسات دولته التي يقيمها، فإننا نلحظ مثلاً أنه استعان بأسامة بن زيد، وكان شاباً، ولكن الرسول أصر على إمرته لأنه يعلم أنه قادر على القيام بواجباتها، وكان هذا الجيش يضم كبار الصحابة، وقد اعترض بعضهم، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال : «أيها الناس فما مقالة بلغتنى عن بعضكم فى تأميرى أسامة، فوالله لئن طعنتم فى إمارة أسامة، لقد طعنتم إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إنه كان للإمارة لخليق، وإن ابنه من بعده لخليق بالإمارة».


إذن فإن الكفاءة في القيام بالدور داخل المؤسسة، التي تعتبر جزءا من أجزاء تكوين الدولة أمر مهم، حتى تستقيم الأمور داخلها، وكذلك أن يكون الشخص أهلاً لهذه المسئولية يستطيع أن يتحملها ويقوم بواجباتها، وأن يكون أميناً حتى لا يفرط في أمانته، التي أؤتمن عليها، وأن يملك من القوة والقدرة والعلم ما يؤهله إلى ذلك، ومن هنا فإن هذه الأمور كلها إذا بنيت عليها المؤسسات نهضت واستقرت، فكانت سبباً في نهضة أي وطن واستقراره.


إن الاختيار غير الدقيق لأصحاب الوظائف، في كل مؤسسات الدولة، يفقد هذه المؤسسات القدرة على القيام بدورها المطلوب، فمتى كان القائم بها غير مؤهل علميا أو ثقافيا أو بدنيا أو خلقيا فإن ذلك يطعن في قدرته على القيام بمسئوليته، فيؤدي إلى الخلل في مؤسسات الدولة، ومنه إلى ضعفها وانهيارها، وهو ما نهى عنه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

زر الذهاب إلى الأعلى