وقف الاقتتال الداخلي

بقلم : الشيخ احمد أعبيده ـ مدير مكتب منظمة خريجى الأزهر بوادي البوانيس

إن التقاتل بين أبناء الوطن الواحد كارثة من الكوارث التي حلت ببعض أوطان الأمة الإسلامية، وهو أمر منهي عنه شرعاً في القرآن الكريم، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالأصل هو الاجتماع على الكلمة الواحدة، ولم الشمل، والاعتصام بحبل الله تعالى، وعدم اتباع الأهواء التي تتسبب في التفرقة والتنازع.

 والقرآن الكريم قد أورد العديد من الأوامر باتباع طريق الله وصراطه المستقيم، حيث قال تعالى: ﴿وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون﴾، وقال تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم﴾، ومن هنا فإن من الواجب على الجميع أن يتكاتف، وأن يلتف حول مصلحة وطنه.

كما أن القرآن الكريم قد وضع ضوابط لحل النزاع بين طوائف الأوطان المتقاتلة، حيث قال تعالى: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين﴾، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التقاتل بين المسلمين وحرم ذلك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرضه» صحيح مسلم. كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قيل: يا رسول الله هذا القاتل؛ فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصاً على قتل صاحبه« رواه البخاري ومسلم

ولقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم التقاتل للعصبية، وتحت راية القبلية أو الانتماء إلى فصيل أو جماعة بعينها، فقد ثبت في الصحيحين أن المسلمين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فاقتتل رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال المهاجري: يا لَلمهاجرين! وقال الأنصاري: يا لَلأنصار! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة»، وقال ﷺ: «من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه» رواه مسلم.

فاتحاد الجميع هو سبيل للانتصار وإقامة الأوطان، وعودة الأمن والأمان، وأن يكون الجميع في وطن واحد كالجسد الواحد، وكالبنيان الذي يقوي بعضه بعضاً، فقد ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه.

فالجميع عليه أن يستمع لصوت العقل والحكمة، وأن يسعى لتغليب المصلحة الوطنية، والوقوف صفاً واحداً وراء راية الوطن الذي يضم الجميع، وأن يعود الجميع إلى رشده، فالتقاتل ليس في صالح الجميع، فالضحايا يقعون من كل فريق وفي النهاية الخاسر الوطن، فأبناء ييتمون، وزوجات ترمل، وأمهات ثكالى، بسبب العصبية.

ورحم الله أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين تنازل عن الخلافة، وهي يومئذ أرفع منصب في الدولة، ليوقف التقاتل بين الأمة الواحدة، فقد روى البخاري في  صحيحه عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ، يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ – وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ – أَيْ عَمْرُو! إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ، مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ!

فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولاَ لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ.

فَأَتَيَاهُ ، فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا، وَقَالاَ لَهُ، فَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا. قَالاَ: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ. قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ، فَقَالَ الحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ – وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ – وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ».

وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من قتل بعضنا بعضا، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: «بين يدي الساعة الهرج»، فقلنا: ما الهرج يا رسول الله؟ قال: «الكذب والقتل»، فقالوا: أأكثر مما يقتل اليوم يا رسول الله؟ قال:«إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكنه قتل بعضكم بعضًا»، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ يا رسول الله؟ قال:«لا؛ إنه يُنزَعُ عقول أهل ذاكم الزمان حتى يحسب أحدكم أنه على شيء وليس على شيء».

اللهم اكشف الغمة عن الأمة، وأرها ما فيه خيرها وصلاحها، وكف يد بعضهم عن بعض، إنك نعم المولى ونعم النصير.

زر الذهاب إلى الأعلى