مشاركة أبناء الدولة الليبية في مؤسساتها

بقلم / الشيخ محمد رمضان ـ مدير مكتب المنظمة العالمية لخريجى الأزهر بوادي عتبة بليبيا

تبنى الأوطان بسواعد أبناءها.. مقولة أطلقت لتؤكد أن أبناء الوطن هم الثروة الحقيقية لأي بلد، وكل جزء من أجزاء الوطن لا بد أن يكون هناك من يمثله، لكي يشارك في صنع القرار الوطني الذي حتماً سيكون أثره على الجميع.

إن أبناء الوطن الذين يحبون وطنهم ويخلصون له هم أيديه وسواعده، فبعقولهم وعلمهم وعملهم ليلاً و نهاراً وحبهم وإخلاصهم له يشهد الوطن ارتقاء وسمواً ويفتح الطريق أمامه نحو التقدم والارتقاء.

ولقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نجعل الأطياف المختلفة تشارك في بناء الوطن، فكان مبدأ الشورى الذي وضعه الإسلام، والذي قال عنه القرآن الكريم، ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر﴾. فكان النبي صلى الله عليه وسلم، يشارك أصحابه ويشاورهم قبل اتخاذ القرار، وذلك يتضح في غزوة بدر الكبرى، عندما سألأ الرسول المهاجرين وسأل الأوس والخزرج، لتكتمل ما يشبه اليوم أقاليم الدولة، ثم بعد ذلك يسأل الشباب والشيوخ، لتكتمل بهم كافة الفئات داخل هذا المجتمع.

إنّ رفعة الأمم وتقدمها مربوط بحجم عطاء وعمل أبناء الشعوب والأوطان في مؤسساتها، ولا ننسى ما فعله ذو القرنين من تغيير ثقافة شعب كسول خامل عن العمل، كما ورد في سورة الكهف، وماذا كانت نتيجة حركتهم وبذلهم وعطائهم، فقد أمرهم بالعمل للتخلص من الخطر الذي يهددهم من قبل يأجوج ومأجوج، فقال لهم: ﴿فأعينوني بقوة﴾. لقد أتى قومًا سلبيين لا يعملون ولا يتحرّكون، فحرّك هممهم، ووظّف طاقاتهم، وعلّمهم أنّ بالتعاون والتشارك تُبْنى الأُمم وتحصّن من أيّ عدوّ غاشم، فبنَى السدّ بينهم وبين يأجوج ومأجوج..

ولقد عنيت آيات الكتاب المجيد بذكر ما أمر الله به في نصوصه الشريفة، ومن بين الأوامر قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105].

وتلك القيمة توفرت وبقوّة مع أصحاب رسول الله: فهذا عبدالرحمن بن عوف، قال لسعد بن الربيع: (دلني على السّوق)، إنها دعوة للتميز والاستقلاليّة لا التبعيّة للآخرين، حتى أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قرّر مع بدايات هجرته ببناء سوق للمسلمين، ليكون متميزًا في معاملاته التجارية بما يتناسب وشريعة الإسلام.

نعـم: إنّ النّاظر في القرآن المجيد يكتشف أنّ الإسلام قد اهتمّ بالبذل والعطاء للبشرية والمجتمعات، وحفّز الهِمَم نحو الإنتاج والتنمية بكافة نواحيها، لا سيّما: التنمية الاقتصادية، القائمة على الاستثمار، استثمار الجهود، والطاقات، والأموال، والمادّة الخام.

وما من دولة قامت إلا كان لمشاركة كافة أبنائها وكافة أقاليمها دور فيها، في كل مؤسسات هذه الدولة، سواء في الأمور العامة، أو في الجيوش، أو في القضاء، أو في غيرها من المجالات، فالنظرة الفاحصة في تاريخ الحضارات الإنسانية تظهر وتؤكد ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى