فهم المصطلح وأزمة الخطاب
بقلم أ.د/ أسامة نبيل
أستاذ بجامعة الأزهر
أحيانا يحدث لبس أو سوء فهم بين متحدثى لغة واحد بسبب الاختلاف الثقافى بين بلدين. وعلى المستوى الشخصى عانيت فى شبابى من هذا اللبس مع بعض الأصدقاء المغاربة فى مواقف عدة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ، فى ثمانيات القرن الماضى حينما كنت أدرس فى جامعة تور بفرنسا وأثناء تبادل أطراف الحديث على مائدة الإفطار فى شهر رمضان ، طلب منى الأصدقاء المغاربة عدم التحدث بالفرنسية والتحدث باللهجة المصرية التى يحبونها، وأثناء تعليقى على كلام إحدى الباحثات قلت لها “مش معقول ياشيخة!”. وكانت الصدمة كبيرة لى عندما غضبت هذه الفتاة غضبا شديدا ، وساد الصمت وهى تصرخ “مانى شيخة… مانى شيخة”. وهمس لى صديق مغربى لماذا تهينها؟ ولم أفهم سبب غضبها وسألتهم عن سبب هذه الثورة ؟ فهمت صديقة أخرى وقالت لى إنها فتاة محترمة وملتزمة دينيا وهى محجبة كما ترى وليست فتاة ليل. وهنا بدأت أخمن أن كلمة “شيخه” فى اللهجة المغربية تعنى فتاة ليل أو قواده. فأقسمت لهم أن لفظ شيخه فى اللهجة المصرية والعربية الفصحى تعنى العكس تماما، فهو لفظ يعبر عن احترام المرأة ومكانتها فى المجتمع وهو مؤنث للفظ شيخ. وبعد إزالة اللبس، ساد الود بيننا مرة أخرى وأصبحنا أصدقاء حتى يومنا هذا.
فى الحقيقة، الذى دفعنى لسرد هذه التجربة الشخصية هو غضب السواد الأعظم من المسلمين من بعض الألفاظ والمصطلحات التى استخدمها بعض المسئولين فى الغرب فى الخطاب السياسى، لا سيما تلك التى تتعلق ببعض المتطرفين المسلمين. ففى أحد التصريحات لمسئول أمنى كبير استخدم مصطلح l’extrémisme islamique” والذى نفهمه بوضوح بمعنى “التطرف الإسلامي”، وتارة أخرى يستخدم مصطلح l’extrémisme islamiste”” والذى يعنى “التطرف الإسلاموى”. فى الحقيقة لا أجد فرق فى الدلالة بين إسلام وإسلاموى فاللفظين يفهمهم القارىء العربى بأنه اتهام موجه للدين الإسلامي بأنه دين متطرف أو على الأقل يوجد إسلام متطرف وإسلام غير متطرف. ويعتبر المسلمون مجرد اتهام الإسلام بالتطرف إهانة كبرى لحوالى 2 مليار شخص من المسلمين يعيشون فى شتى بقاع الأرض. ومثل هذا الخطاب يحدث نتيجة هذا الخطاب دون شك هو إحداث فتنة على مستوى الشعوب ويقوض تقويض الجهود المبذولة من أجل التعايش المشترك وتحقيق السلم المجتمعي.
والواقع يؤكد أن هناك مسلمين ومسيحيين ويهود وبوذيين وسيخ وعلمانيين متطرفين ، وهذا لا يعنى بالضرورة اتهام الأديان السماوية والأرضية والأيديولوجيات المختلفة بالتطرف. فقد تعلمنا فى الأزهر أن الاختلاف قدر البشرية ، وتعلمت فى فرنسا أن التنوع الثقافى والحضارى والدينى إثراء للمجتمعات. فلماذا يسعى المجتمع الغربى إلى طمس هوية أتباع بعض الأديان لأنهم يختلفون فى بعض العادات والتقاليد؟ لماذا نتهم الأديان بأنها تعانى من أزمة ومن مرض ونجرح مشاعر مليارات من البشر؟ لماذا يسعى البعض الآن فى الغرب إلى تحقيق انتصار للعلمانية وشعارها “الحرية والمساواة والأخوة” على الأديان السماوية التى تدعوا أيضا إلى الأخوة والمحبة والعدل؟
لا ننكر على الغرب حقهم فى مناهضة التطرف والجماعات الإرهابية التى تتخذ من الدين ستارا لتنفذ أهدافا جيوسياسية لا تخدم الدين فى شىء ، بل تضر بالدين وأتباع الأديان. لكن الموقف الغربى يشوبه التناقض فى بعض الأحيان! ونتساءل إلى متى يستمر هذا الموقف العبثى : عنف وعنف مضاد واتهام للأديان؟ بالتأكيد، هناك عقلاء وحكماء فى هذا العالم يدركون خطورة ظاهرة تشويه الأديان ونتائجها السلبية على المجتمعات، وعليهم أن يتحركوا وينقذوا الشعوب من الـمؤامرات لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الأوطان والسلام .