من لطائف المفسرين في الصلاة على سيد المُرسَلين( إن الله وملائكته يصلون على النبي)
بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى ـ مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
لَمّا أمرَنا اللَّهُ تَعالى بِالصلاةِ على نَبِيِّهِﷺ كان الظاهر أن نقول :
(قد صلينا عليه يا رب أو نحن نصلي عليه )
ولكن لأننا لَمْ نبْلُغ مَعرِفةَ فضْلِها ولَم ندرِكْ حقِيقَةَ مُرادِ اللَّهِ تعالى فِيها فأحَلْنا ( حوّلنا وتركنا ) ذَلِكَ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ فقُلْنا : اللَّهُمَّ صَلِّ أنْتَ عَلى رسولِكَ لِأنَّكَ أعلَمُ بِما يلِيق بِهِ وبِما أردتَهُ لَهُ ﷺ.
وقال بعضهم :
لَمّا سَمِعوا الأمْر بِالصَّلاةِ بَعدَ سَماعِ أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ ومَلائكَته عَلَيْهِمُ السَّلامُ يُصَلُّون علَيْهِ ﷺ وفَهِمُوا أنَّ الصَّلاةَ مِنهُ عَزَّ وجَلَّ ومِن مَلائِكَتِهِ عَلَيْهِ نَوْعٌ مِن تعظِيمٍ لائِقٍ بِشأْنِ ذلِكَ النبِيِّ الكَرِيمِ ، لم يعرفوا ما اللّائِق مِنهم مَن كَيْفِيّاتِ تَعْظِيمِ ذَلِكَ الجَنابِ وسَيِّدِ ذَوِي الألْبابِ ﷺ ، فَسَألُوا عَن كَيفِيَّةِ ذَلِكَ التعظِيمِ فَأرشَدَهم عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى ما عُلِمَ أنَّهُ أوْلى أنْواعِهِ وهو بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ..
فَقالَ ﷺ: ««قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ»..
وفِيهِ إشارة إلى أنَّكم عاجِزُونَ عَنِ التَّعْظِيمِ اللّائِقِ بِي فاطْلُبُوهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ لِي.
إذا صَلّى اللَّهُ ومَلائِكَتُهُ عَلَيْهِ فَأيُّ حاجَةٍ إلى صَلاتِنا؟
نَقُولُ:
الصَّلاةُ عَليْهِ لَيْسَ لِحاجَتِهِ إلَيْها، وإلّا فَلا حاجَةَ إلى صَلاةِ المَلائِكَةِ مَعَ صَلاةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وإنَّما هو لِإظْهارِ تَعْظِيمِهِ، كَما أنَّ اللَّهَ تَعالى أوْجَبَ عَلَيْنا ذِكْرَ نَفْسِهِ ( أي ذكر الله ) ولا حاجَةَ لَهُ إلَيْهِ، وإنَّما هو لِإظْهارِ تَعْظِيمِهِ مِنّا شَفَقَةً عَلَيْنا لِيُثِيبنا عليْهِ،( يعطينا الثواب ) ..
ولِهَذا قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«مَن صَلّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ”
لَمْ يَتْرُكِ اللَّهُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ تَحْتَ مِنَّةِ ( أي جميل ومعروف ) أُمِّتِهِ بِالصَّلاةِ عليه ، حَتّى عَوَّضَهم مِنهُ بِأمْرِهِ بِالصَّلاةِ عَلى الأُمَّةِ حَيْثُ قالَ(وصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]
التَّعْبِيرُ بقوله تعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) :
لِلدَّلالَةِ عَلى الدَّوامِ والِاسْتِمْرارِ،والتجدد فالجملة تفِيدُ الدَّوامَ نَظَرًا إلى صَدْرِها ( أولها )مِن حَيْثُ إنَّها جُمْلَةٌ اِسْمِيَّةٌ وتُفِيدُ التَّجَدُّدَ نَظَرًا إلى عَجْزِها ( آخرها )مِن حَيْثُ إنَّها جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ فَيَكُونُ مُفادُها اِسْتِمْرارَ الصَّلاةِ وتَجَدُّدَها وقْتًا فَوَقْتاً..
قال ابن حجر :
سُئلت عَنْ إضافَةِ الصَّلاةِ إلى اللَّهِ دُونَ السَّلامِ، (أي ذكر الصلاة عليه ولم يذكر السلام ) وأمْرُ المُؤْمِنِينَ بِها وبِالسَّلامِ، ( صلوا عليه وسلموا ).
فَقُلْتُ:
يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ السَّلامُ لَهُ مَعْنَيانِ: التحيَّةُ والِانْقِيادُ ( الاتباع والاستسلام ) فَأُمِرَ بِهِ المُؤْمِنُونَ لِصِحّتِهِما مِنهم ( أي إمكانية حدوثه منهم ) واللَّهُ ومَلائِكَتُهُ لا يَجُوزُ مِنهم الِانْقِيادُ، فَلَمْ يُضَفْ إلَيْهِمْ، دَفْعًا لِلْإيهامِ. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ. انْتَهى.
وقالَ الشِّهابُ:
قَدْ لاحَ لِي في تَخْصِيصِ السَّلامِ بِالمُؤْمِنِينَ دُونَ اللَّهِ ومَلائِكَتِهِ، نُكْتَةٌ سِرِّيَّةٌ؛ (أي معنى عظيم) وهي أنَّ السَّلامَ تَسْلِيمُهُ عَمّا يُؤْذِيهِ. فَلَمّا جاءَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَقِيبَ ذِكْرِ ما يُؤْذِي النَّبِيَّ ﷺ، والأذِيَّةُ إنَّما هي مِنَ البَشَرِ، وقَدْ صَدَرَتْ مِنهُمْ، فَناسَبَ التَّخْصِيصَ ( أي تخصيص السلام ) بِهِمْ
إرْشادِهِ ﷺ أمته إلى طَلَبِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ هو من اِمْتِثالُ الأمْرِ الذي طُلب مِنهُ..