عظم بر الوالدين فى القرآن الكريم
بقلم فضيلة الشيخ / حسن عبد البصير _ وكيل وزارة أوقاف مطروح _ نائب رئيس فرع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بمطروح
بحثت في كل الأعمال فلم أجد عملا أعظم مثوبة من بر الوالدين
جاء به القرآن مقترنا بعبادة الله في أربعة مواضع في البقرة (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا ) وفي النساء ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) وفي الأنعام ( (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا ) وفي الإسراء ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ )
وهذه الأربع تقرن بين عبادة الله وتوحيده وبين بر الوالدين والإحسان إليهما بما يعطي دلالة على عظم بر الوالدين وهناك موضع خامس يأمر القرآن بشكر المنعم لإنعامه خلقا ورزقا وشكر الوالدين لأنهما سبب وجوده ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )
وقد أحاط القرآن الكريم أيضا الأبوين الكبيرين بسياج يحميهما من العقوق وأمر طباعتهما والخضوع لهما بل والتذلل لجنابهما العالي فلا تأفف مسموح ولا تلويح مقبول بل القول الكريم الشفيف الرفيف الذي يشعرهما بالإحسان والتقدير
ولو تتبعنا أيار الذكر الحكيم سنجد أن في سورة العنكبوت أمر بالبر والإحسان والطاعة للوالدين عدا أن يأمرنا بكفر ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) والآية قد تشعر من يؤمر بالكفر من قبل والديه ألا يطيع وقد يتوهم أنه لا يطيع ويغلظ لهما القول فتأتي الآيات في سورة لقمان مستدركة مبينة أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لكن مع الوالدين ولو أمرا بالإسراء فإن الابن مأمور بعدم الطاعة مع شرط الإحسان إليهما ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا )
وسبحانه من خالق عظيم حليم كريم يأمر الابن أن يصاحب الوالدين بالمعروف وإن حرضاه على الكفر
ولقد وضح القرآن الكريم جزاء البارين لأبائهم فجعله أعظم المثوبات وأعلى الدرجات ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ )
فجعل لأهل البر أربع مثوبات يقبل منهم أحسن العمل فإن سبق منهم تفريط ( نتجاوز عن سيئاتهم ) ولا يمنعهم من الجنة مانع ( في أصحاب الجنة ) وهذا وعد من الله لا يتخلف ( وعد الصدق الذي كانوا يوعدون )
وأشار القرآن العاقين في الآية التي تليها ( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )وجعل جزاءهم الخسران والبوار في الدنيا والآخرة ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ )
هذا في بر الوالدين عموما أما الأم فحدث ولا حرج عن التكريم والتوقير والعناية والرعاية والتقدير الذي يصل لحد التقديس لما للأم من علو المنزلة وشفوية المرتبة ولما لها من تضحيات جسام من أجل أبنائها والعمل على راحتهم وهذا حديث نبينا الكريم يجعل البر للوالدين أربعة أسهم فيعطي للأم ثلاثاوللأب واحداً
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: ” جاء رجل إلى رسول الله، فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك.. قال: ثم من؟.. قال: أمك.. قال: ثم من؟.. قال: أمك.. قال: ثم من؟.. قال: أبوك “