الولاء والبراء وبث الكراهية

أ .د/ إبراهيم صلاح الهدهد

إن خطاب الكراهية لايمكن أن يقيم مجتمعا إنسانيا تسوده الرحمة والتراحم، ومن المستحيل أن يكون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي بعثه ربه رحمة للعالمين، داعيا إلى الكره والبغض والعداوة ، وقد أعلن القرآن الكريم عن ذلك في ضوح وجلاء في قوله ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء/107) لم يستثن أحدا فهو رحمة للخلق أجمعين، من الإنس والجن والحيوان والطير وكل الخلق، لذا كانت رسالة الإسلام عالمية، وقد خاطبه ربنا قائلا : ( وقيله يارب إن هؤلاء قوم لايؤمنون . فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ) (الزخرف/88-89) فعلى الرغم من أنهم لايؤمنون لكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ  أمر بالصفح عنهم، والقول الحسن. 

مفهوم الولاء والبراء عند القائلين به:

الولاء: هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم.

البراء: هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق، قلت: الأمر إذا يتعلق بأمر قلبي لأن الحب والبغض محلهما القلب، ولايتعدى ذلك القلب إلى العمل والسلوك.

منزلة الولاء والبراء عندهم :  هو ركن من أركان الإيمان، وجزء من معنى الشهادة ، وهي قول : (لا إله) من ( لا إله إلا الله ) فإن معناها البراء من كل ما يُعبد من دون الله، وهي عندهم شرط في الإيمان ، كما قال تعالى : (ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون) (المائدة/80)، وهذه العقيدة أوثق عرى الإيمان ، لما روى أحمد في مسنده عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله). في الحديث الصحيح : (من أحب لله وأبغض لله ، وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ) [ أخرجه أبو داود ] .كما أنها عندهم سبب لتذوق حلاوة الإيمان ولذة اليقين ، لما جاء عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار)[ متفق عليه ].

وهي عندهم الصلة التي يقوم على أساسها المجتمع المسلم (إنما المؤمنون إخوة)(الحجرات/10) وبتحقيقها تُنال ولايةُ الله ، لما روى ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : (من أحب في الله وأبغض في الله ، ووالى في الله وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك) وعندهم أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر ، قال تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم)(المائدة/51)

وانظر بعض أقوالهم التي تبث الكراهية: يقول الشيخ حمد بن عتيق – رحمه الله – : (فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك ، وأكد إيجابه ، وحرم موالاتهم وشدد فيها ، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر، ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده) وقال ابن تيمية : (إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله ، ولا يبغض إلا لله ، ولا يواد إلا لله ، ولا يُعادي إلا لله ، وأن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله) وقال أيضا :” من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يُعبَد فيها، وأن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه أوأعانهم على فتحها، وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر، وقال أيضا في موضع آخر”من اعتقد أن زيارة أهل الذمة في كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد ” ثم تأمل الطامة الكبرى في بيان صور موالاة الكفار: التشبه بهم في اللباس والكلام ـ  الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلا بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين. السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس. اتخاذهم بطانة ومستشارين. التأريخ بتاريخهم خصوصًا التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي .


التسمي بأسمائهم.مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها ـ  مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة ، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد .الاستغفار لهم والترحم عليهم . والأمر كما ترى دعوة للكراهية، ولعزلة المسلمين عن العالم، ومعاملتهم لاغنى في الحياة عنه، وواقع حياة القائلين بذلك يخالف ما ذكروه، فهم يستخدمون كل منتجات غير المسلمين من الكساء والدواء والسيارات والطائرات ويسافرون إلى بلادهم، وقد استدل هؤلاء بآيات من القرآن استدلالا منقوصا، يهدر الآيات الأخرى التي يهدينا النظر إليها جميعا إلى الفهم الصحيح. (قد كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إبْراهيمَ والّذينَ مَعَهُ إذْ قالُوا لقَوْمِهِمْ إنّا بُرَآءُ مِنْكُمْ ومِمّا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَداوَةُ والبَغْضاءُ أبدًا } (الممتحنة/ 4)
{ وأَذَانٌ مِنَ الله ورَسُولِهِ إلى النّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ أنّ اللهَ بَريءٌ مِنَ المشْرِكين ورَسُولُهُ}(التوبة/3) (يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارَى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ ومَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإِنَّه مِنْهُمْ إنّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِين فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أنْ يأْتِيَ بالفَتْحِ أو أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا على ما أسَرّوا في أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ} (المائدة/51–52) (يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بالموَدَّةِ } (الممتحنة/ 1) (لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه …) (آل عمران/ 28) (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لايألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر…)(آل عمران / 118)  (“يَا أيُهَا الذِين آمَنُوا لاَ تَتَخِذُوا آبَاءَكُم وَإِخوَانَكُم أولِيَاء إن استَحَبُوا الكُفرَ عَلَى الإيمَان وَمَن يَتوَلَهُم مِنكُم فَأولَئِكَ هُمُ الظَالِمُون” (التوبة 23) وواضح جلي أن النهي مقيد لا مطلق. ” لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”. والواضح الجلي لذي عينين أن النهي مقيد بمحادة الله ورسوله ومعاداتهم، وليس على إطلاقه.

الفهم الصحيح للقضية: لم يعدّ أحد من السلف الصالح ولا من الأئمة الأربعة الولاء والبراء من أركان الإيمان، ولامن أركان الإسلام، وأجمع جماهير علماء الأمة على أن أركان الإيمان والإسلام ماجاء في الحديث الصحيح : عَنْ عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بينما نحن عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إِلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فأسند ركبتيه إِلَى ركبتيه ووضع كفيه عَلَى فخذيه وقَالَ: يا محمد أخبرني عَنْ الإسلام؟ فقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: “الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رَسُول اللَّهِ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا” قَالَ صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه! قَالَ: فأخبرني عَنْ الإيمان؟ قَالَ: “أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ وتؤمن بالقدر خيره وشره” قَالَ صدقت قَالَ: فأخبرني عَنْ الإحسان؟ قَالَ: “أن تعبد اللَّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” قَالَ: فأخبرني عَنْ الساعة؟ قَالَ: “ما المسئول عَنْها بأعلم مِنْ السائل” قَالَ: فأخبرني عَنْ أماراتها؟ قَالَ: “أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان!” ثم انطلق فلبثت مليا ثم قَالَ: “يا عمر أتدري مِنْ السائل؟” قلت : اللَّه ورسوله أعلم. قَالَ: “فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم” والحديث واضح صريح في تحديد أركان الإسلام والإيمان.قال أبو الحسن الأشعري:  “الإيمان هو التصديق بالجنان، وأما القول باللسان والعمل بالأركان ففروعه، فمن صدق بالقلب، أي أقر بوحدانية الله تعالى، واعترف بالرسل تصديقا لهم فيما جاءوا به من عند الله صح إيمانه، حتى لو مات عليه في الحال كان مؤمنا ناجيا، ولا يخرج من الإيمان إلا بإنكار شيء من ذلك.

وقال الباقلاني: ” وأن يعلم أن الإيمان بالله ـ عز وجل ـ  هو: التصديق بالقلب فلا يوجد في علم التوحيد ما يسمى بعقيدة الولاء والبراء، فهو من الأعمال القلبية التي تكون من آثار عقيدة الإيمان، والمظهر السلوكي للولاء هو النصرة والتأييد، والمظهر السلوكي للبراء هو المعاداة وعدم التأييد، وتتجلى مظاهر الولاء والبراء من الأعمال القلبية في الأساس، التي تكون من آثار عقيدة الإيمان، فإن المؤمن الذي آمن بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره، يثمر ذلك الإيمانُ في قلبه حبًّا وموالاةً وميلًا ونصرةً لكافة المؤمنين بالحق، كما يثمر في قلبه براءة من العقائد والأفكار التي تناقض ما يؤمن به. والمظهر السلوكي للولاء هو النصرة والتأييد، والمظهر السلوكي للبراء هو المعاداة وعدم التأييد، وتتجلى مظاهر الولاء والبراء عندما يقرر من يكفر بعقيدتك وإيمانك وهويتك أن يظلمك ويحارب وطنك، فإن الولاء يقتضي الوقوف بجوار وطنك وقومك وهويتك، والبراءة من العدو الذي يريد هدم هويتك وأمنك ووطنك. لذا، فإن الولاء والبراء لا بد أن يُستحضر دائمًا في منظومة تعايش المسلم مع غيره، فعلى المسلم أن ينتمي للإسلام ويحافظ على هويته الإسلامية من غير الإخلال بمبدأ التعايش السلمي بين الناس وهذا هو الولاء، والبراء وهو أن يحافظ المسلم على عدم التباس عقيدته بما قد يشوبها من الشبهات ونحوها دون الدخول في التكفير أو الاعتداء على نفس معصومة.

إن عدم موالاة غير المسلمين من المواطنين وغيرهم ممن لا يكونون في حالة حرب مع المسلمين بمعنى معاداة أشخاصهم وإيذائهم مخالفٌ لصريح نصوص القرآن والسنة؛ فالمسلم مأمور بقول الحسنى لكل الناس دون تفريق؛ قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]، كما أن الله لم ينهَنا عن بر غير المسلمين ووصلهم وإهدائهم وقبول الهدية منهم وما إلى ذلك من أشكال البر بهم؛ قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8) والإشكال بسبب تعريف الإيمان عند من سموا أنفسهم السلفية، : هو تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح، والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية قال تعالى : (ويزداد الذين آمنوا إيمانا …) ومن هنا كفّروا كل مرتكب لمعصية، وأصلهم الخوارج.

زر الذهاب إلى الأعلى