«غزوة أُحدٍ دروسٌ وعـبرٌ».. بقلم د.عبد الرحمن سرحان عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بمطروح
الحمد لله القائل:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد :
إن غزوة أُحـــــــدٍ مليئية بالدروس والعبر التى يحتاج إليها كل مسلم في حياته العملية،ومن هذه الدروس والعبر:
أولاً: الحذر الشديد من مخالفة القائد:
معلوم أن المخالفة ولو كانت صغيرة للقائد والمسؤول فهي نذير شؤم على الأفراد و الأمة؛ قال سبحانه 🙁 فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ،وحينما أكد النبي صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن جبير قائد الرماة وكانوا خمسين رجلاً «احْمُوا ظُهُورَنَا، فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ، فَلا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلا تُشْرِكُونَا». فلما انتصر المسلمون في أول المعركة خالفت كتيبة الرماة أمره (صلى الله عليه وسلم)، وتركوا أماكنهم خلف جيش المسلمين، فتحول النصر إلى هزيمة، وما ترتب على ذلك من آثار، حيث استشهد سبعون صحابي، وأصيب النبي صلى الله عليه وسلم وشجّ رأسه،وكسرت رباعيته، وهذا بسبب معصية واحدة، ومن البعض وليس الكل، ودون إصرار، فكيف بالمعاصي التي ظهرت في البر والبحر؟! وكيف بالمعاصي التي يجاهر بها ليل نهار؟! وبعد ذلك نسأل أنى هذا؟! فالإجابة واضحة؛ {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} .
ثانياً:التضحية من أجل الدين:
إن من أعظم الدروس والعبر التى نستطيع أن نتعظ ونعتبر بها(التضحية من أجل هذا الدين الحنيف)،ومن صور التضحية في غزوة أُحــدٍ:
1-تضحية أنس بن النضر: فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:” غَابَ عَمِّي أَنَسُ بنُ النَّضْرِ عن قِتَالِ بَدْرٍ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، غِبْتُ عن أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ ما أَصْنَعُ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ وانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ ممَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي أَصْحَابَهُ- وأَبْرَأُ إلَيْكَ ممَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي المُشْرِكِينَ-، ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، فَقالَ: يا سَعْدُ بنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ، إنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِن دُونِ أُحُدٍ، قالَ سَعْدٌ: فَما اسْتَطَعْتُ يا رَسولَ اللَّهِ ما صَنَعَ، قالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا به بِضْعًا وثَمَانِينَ ضَرْبَةً بالسَّيْفِ، أَوْ طَعْنَةً برُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بسَهْمٍ، ووَجَدْنَاهُ قدْ قُتِلَ وقدْ مَثَّلَ به المُشْرِكُونَ، فَما عَرَفَهُ أَحَدٌ إلَّا أُخْتُهُ ببَنَانِهِ، قالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُرَى -أَوْ نَظُنُّ- أنَّ هذِه الآيَةَ نَزَلَتْ فيه وفي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]، إلى آخِرِ الآيَةِ “.
2- تضحية حنظلة بن أبي عامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غسيل الملائكة قال عنه رسول الله : ” فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَسَلُوا صَاحِبَتَهُ»، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَذَاكَ قَدْ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ».
3-تضحيىة مصعب بن عمير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذي ترك الدنيا وذهبها وفضتها، وخرج مهاجراً إلى الله تعالى، فأتى يدور بسيفه كالأسد في جبل أحد يقول: أين رسول الله؟ قالوا: قُتل، ظنوا أنه قتل، فقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} ،فأنزلها الله آية بكلام مصعب، وكان اللواء بيده فضربوه بيده اليمنى حتى قطعت، فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطعت، ثم برك على صدره وعنقه حتى قتل،ولما رآه النبي صلى الله عليه وسلم مقتولا وقف عليه ودعا له ثم قرأ هذه الآية: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) ،ولم يجد النبي صلى الله عليه وسلم ما يكفنه فيه إن غطوا قدماه ظهرت رأسه، وإن غطوا رأسه ظهرت قدماه ،إنه مصعب الفتي المدلل في قريش.
ثالثاً: التمسك بالعقيدة:
اعلموا أيها المسلمون أن العقيدة هى أغلى ما نملك في هذه الحياة الدنيا ، فلما جاء أبو سفيان وهو قائد للمشركين قبل إسلامه،وقف أمام الجبل وقد أصيب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه،فقال أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قالَ: أَفِي القَوْمِ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ(يعني أبوبكر الصديق)؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قالَ: أَفِي القَوْمِ ابنُ الخَطَّابِ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلى أَصْحَابِهِ فَقالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فقَدْ قُتِلُوا، فَما مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقالَ: كَذَبْتَ واللَّهِ يا عَدُوَّ اللَّهِ؛ إنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وقدْ بَقِيَ لكَ ما يَسُوؤُكَ، قالَ: يَوْمٌ بيَومِ بَدْرٍ، والحَرْبُ سِجَالٌ، ثم قال أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ أَعْلَى وأَجَلُّ، قالَ: إنَّ لَنَا العُزَّى ولَا عُزَّى لَكُمْ. فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالَ: قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، ولَا مَوْلَى لَكُمْ. لم ينفعل النبي صلى الله وسلم لنفسه ولم يغضب لنفسه قط، لكن لما تعلق الأمر بالعقيدة قال ألا تجيبوه فالعقيدة أغلى ما نملك يا أصحاب العقيدة.