صوم عاشوراء.. نظرات مقاصدية وأصولية
بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى ـ مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
طالب العلم بالدليل يحتاج في المواسم التعبدية إلى علم مفصل بالأحكام الفقهية ، وإلى دراية واعية بالثمرات الإيمانية ، وإلى نظرات علمية في المقاصدية الأصولية؛ وهذه هي أركان المطالب والمباحث الشرعية ، وهاهنا في باب صوم عاشوراء نظرات مقاصدية وأصولية ، وهي :
▪الأول : إن تشريع صوم اليوم العاشر لعينه ، وصوم يوم التاسع لغيره ، وصوم يوم الحادي عشر لتكميل مقاصده وفضائله، وتحقيق الجزم بحصول المطلوب منه .
▪الثاني : أن فضيلة صوم اليوم التاسع تابعة لفضيلة اليوم العاشر ؛ فتارة بقصد مخالفة اليهود ، وتارة مخافة أن يفوت العبد صوم العاشر ؛ فيصوم التاسع لضمان إدراك صوم العاشر .
▪الثالث : موافقة هذه الأمة لأهل الكتاب في تعظيم عاشوراء في الصورة لا في القصد ، وفي السبب لا في الكيفية ، لأنهم عظموه كيوم عيد لهم .
أي السبب المشترك بيننا وبينهم هو أن هذا اليوم نجى الله تعالى فيه موسى من فرعون .
ولكن الاختلاف في طريقة التعظيم ؛ فهم يعطونه كعيد لهم بالفرح ونحن نعظمه بالصوم ؛ لأن صفة العيديّة من خصائص الأمة .
لهذا جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه : كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فصوموه أنتم .
▪الرابع : وصوم اليوم العاشر وإن كان مشروعا في الشريعة الإسلامية وشريعة اليهود لكن قد وقعت المخالفة في ثلاثة أمور :
– المخالفة في صفة العمل ؛ هم جعلوه عيدا ونحن نصومه .
– المخالفة بعدم إفراده ، هم يعظمون العاشر ونحن نصوم التاسع والعاشر
– وفي المخالفة بالقصد ، فالقصد من صومه هو الامتثال لله والمحبة للأنبياء .
لهذا جاء في الحديث : نحن أولى بموسى منهم .
فقد وقعت المخالفة لهم من ثلاث جهات ؛ لهذا صوم اليوم العاشر يكون تشريعا مستقلا لهذه الأمة .
▪الخامس : قول النبي صلى الله عليه وسلم في سياق ذكر تعظيم اليهود ليوم وتعظيم المشركين بمكة لهذا اليوم :
فصوموه أنتم؛ دليل على أن لا يشرع تخصيص هذا اليوم إلا بالصوم ؛ فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (صوموا وعظموه ) بل ذكر الصيام في معرض السؤال؛ لبيان الاختصاص .
▪السادس : ولأن صوم عاشوراء لا يمكن تعويضه لمن فاته ؛ شرع بالصوم قبله وبعده ، ويصام في السفر ؛ لأنه مقصود لعينه ؛ وهذا شأن كل عبادة لو فات وقتها فات ثوابها وفضلها .
▪السابع : ظاهر الحديث أن الذي يصوم اليوم العاشر بقصد ونية واحتساب وعزم على التوبة ؛ فإنه قد يكفر جميع الذنوب بما فيها الكبائر لسنة .
ويكون التكفير راجع الى ما اشتملت عليه النية من الإيمان والاحتساب والعزم على التوبة النصوح ؛ فالتكفير هنا أمر زائد على مجرد الصوم وإن كان متصلا به ؛ فتأمل هذا الأمر وتهيئ للصوم به .
▪الثامن : أن نجاة المؤمنين الموحدين وهلاك الكفار المشركين من الاسباب الجالبة للفرح ومن الامور الموجبة للشكر .
▪التاسع : كل ما كان راجعا إلى محبة الانبياء واتباعهم والاقتداء بهم ؛ فهذه الأمة الأولى بهذا من أتباع الأنبياء .
إذا هذه الأمة باتباعها للنبي صلى الله عليه وسلم قد سبقت كل الأمم في محبة الأنبياء وتعظيمهم تعطينا شرعيا مبنيا على الاقتصاد والاعتدال ؛ فهي الأولى والأحق وهذا معنى : ( فنحن أولى بموسى منكم ) أولية مطلقة عامة .
▪المقصد العاشر : صوم يوم عرفة يفضل على صوم عاشوراء بالثواب ؛ لأنه داخل في خصائص الأمة .
ويفضل يوم عاشوراء على يوم عرفة في تأكيد الاستحباب وفي حصول المخالفة لأهل الكتاب وفي الحث على صومه على العموم بخلاف صوم يوم عرفة يستثنى منه الحاج .
فهذه عشرة كاملة من المقاصد التي تعين على فهم أحكام عاشوراء ورفع الخلاف وتذوق حلاوة الإيمان .