(الأساليب القرآنية في التربية) بقلم د. على حسن محمد

الحمد لله الهادى لأحسن الأخلاق ، لا يهدى لأحسنها إلا هو ، ولا يصرف سيئها إلا هو ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، ، إمام المتقين ، الصادق الأمين ، اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، الذين تخلقوا بأخلاق القرآن الكريم ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد :

فمن رحمة الله عز وجل بعباده أن أنزل إليهم الكتاب العظيم ، ووضع لهم المنهاج الحكيم ، وأرشدهم إلى الطريق المستقيم ، وحدد لهم السلوك القويم ، يقول الله تعالى فى كتابه الكريم { إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا }(سورة الإسراء : 9).

اعتنى المنهاج القرآنى بالجانب الأخلاقى عناية خاصة ، باعتباره القاعدة الرئيسية التى تُبنى عليها جميع أحكام وقوانين الشريعة الإسلامية ، ولهذه الأهمية التى تحتلها الأخلاق جعل سبحانه وتعالى من أهداف إرسال الرسل عليهم السلام تحقيق مكارم الأخلاق ، وشدد القرآن الكريم على التمسك بها ، فنوع من أساليبه الداعية إلى تنشئة الناس عليها وتخلقهم بأفضلها أملاً فى أن يحقق الإنسان عن طريقها السعادة فى الدنيا والفوز فى الآخرة .

وهذه المقالات العلمية محاولة للكشف عن بعض الأساليب القرآنية التى تربى الإنسان على الأخلاق السامية ، وتبعث على تهذيب نفسه وإقامتها على الهدى القويم والنهج المستقيم لمن أراد الله له الهداية والرشاد .

الأسلوب الأول ” أسلوب الموعظة “

لقد جُبلت طبيعة النفس البشرية على التأثر بما يُلقى إليها من نصحٍ ووعظ تأثراً مؤقتاً ، يتطلب التكرار ليستديم ثبات الموعظة ، وتؤثر فى النفس استجابةً والتزاماً.

والموعظة المؤثرة لا يمكن لها أن تجد سبيلها إلى القلب إلا إذا اخترقته عن طريق الوجدان الذى يهزُ مشاعره ، ويثير كوامنه ، فتتقبل النفس الموعظة وتتأثر بها ، لكنها تبقى حائرة فى مرحلة ما بعد التلقى ، لا تجد سبيلاً إلى التطبيق إلا إذا تمثلت لها القدوة الحسنة ، والموعظة يحتاجها الكبير والصغير والحاكم والمحكوم ، بحكم طبيعة النقص فى البشر ، لكنها عند الناشئة أشد احتياجاً ، وبالتأمل فى آى الذكر الحكيم نستخلص أن الوعظ والإرشاد مهنة الأنبياء مع أممهم ، به يهدفون إلى تغيير ما بنفوسهم حتى يغير الله ما بهم من فساد ، ومن خلاله قدم الأنبياء العلاج الملائم لإرشاد النفوس ، وأقرب الطرق للتأثير على القلوب ، ويمكن حصر أسلوب الموعظة فى القرآن الكريم فيما يأتى :

1- الترغيب

ويقصد به كل ما يشوق العباد إلى الاستجابة لداعى الله وقبول الحق والثبات عليه ، والأصل فى الترغيب أن يكون فى نيل رضا الله ورحمته وجزيل ثوابه فى الآخرة ، كما أن الوعد بالخير يشمل نعم الدنيا والآخرة وسعادتهما ، قال تعالى ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ”

( سورة النحل : 97 ).

من أجل ذلك كان وعد الله بالمثوبة على ما يقدم الإنسان من خير أو يسدى لغيره من معروف أو يؤدى به حقاً لله عليه ، ويأتى فى صورتين :

الأولى : صورة الجزاء العاجل كما فى قوله تعالى “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض …… إلى قوله تعالى وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ” ، والأمن فى الدنيا بالنصر والتمكين ، وفى الآخرة بالرضا والنعيم المقيم .

الثانية : صورة الجزاء الآجل فيما يستقبله يوم القيامة حين تتلقاه الملائكة مع إخوانه بالبشرى قائلةً ” هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ” .

2- الترهيب

وهو يعنى كل ما من شأنه حمل الإنسان على البعد عن المعاصى صغيرها وكبيرها فضلاً عن اقترافها والتردى فيها ، والأصل فيه أن يكون بالتخويف من غضب الله وعذابه فى الآخرة كما فى قوله تعالى ” وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ” ، كما يشمل الترهيب الدنيا والآخرة كما فى قوله تعالى ” وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ” .

والموعظة نوعان : تعليم ، وتأديب :

الأول : التعليم

الموعظة وسيلة للعلم ودعوة للتمسك بالعقيدة قال تعالى ” وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ” فبذلك يكون نشر مفاهيم الإسلام واجب على كل مسلم ، فمن كان عنده علم فلا يجوز كتمانه ، وفى ذلك يقول ابن كثير ( فالواجب على العلماء الكشف عن معانى كلام الله وتفسير ذلك وتعلمه وتعليمه وتفهمه وتفهيمه)

الثانى : التأديب

وهو النوع الثانى من أنواع الموعظة ، وأظهر ما يكون فى الحث على التمسك بالفضائل والتجمل بالأخلاق الحسنة . كالصدق ، الأمانة ، العفة ، المروءة ، الحلم والصبر … وبيان أثرها فى الفرد و المجتمع ، والتحذير من الوقوع فى الرذيلة كالكذب والخيانة والجبن والغدر ، قال تعالى ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ” ، وليس هناك أبلغ فى التأثير بالموعظة من الإتصال بكتاب الله العظيم تلاوةً وتأملاً وفهماً ، وفتح منافذ القلب إلى هذا الكتاب العظيم لتنساب أنواره إلى كيان المؤمن فتزيل أدواءه وظلمته ، وتبعث فيه الحياة الحقيقية ، فالقرآن كما وصفه الله تعالى نورٌ وهُدى وشفاء ، ولا يبقى مع النور ظلمة ، ولا مع الهُدى شك، ولا مع الشفاء داء .

وختاماً فمع هذا الأسلوب تصح القلوب وتزكو وتشرق بالنور والهدى ، فيتجمل الإنسان بمكارم الأخلاق

كاتب المقال / منسق عام تعليم الكبار بمنطقة الإسكندرية الأزهرية

زر الذهاب إلى الأعلى