الشهيد وأنواعه وحق أسر الشهداء علينا.. بقلم / د.عبد الرحمن سرحان عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بمطروح
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابة الكريم ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:
الشهيد في اللغة: الحاضر، والشاهد: العالم الذي يبين ما علمه، ومنه قول الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾
الشهيد في الاصطلاح الشرعي: من مات من المسلمين في سبيل الله دون غرض من الدنيا. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ”.
والشهداء ثلاثة أنواع:
1- شهيد الدنيا:
فهو كل مقاتل في المعركة ونيته ليست خالصة لله تعالى، كالذي قاتل ليُقال عنه شجاع، أو قاتل وهدفه الغنيمة فقط، أو غل(أخذها بغير حق) من الغنيمة، أو مات مدبراً،وهذا النوع من الشهداء لايكفن ولايُغسل ويُصلي عليه،و لا يُحرم من الأجر فقط، بل يتعرض للعذاب يوم القيامة، فعن أبي هريرة قال: “سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ”.
2- شهيد الآخرة:
وهو الذين لم تجري عليه أحكام الشهداء في الدنيا، فيغسّل، ويكفّن ويُصلي عليه، فهو من الشهداء بسبب خصلة خير اتصف بها، أو بسبب مصيبة أصابته فمات بها، وقد ذكر العلماء الكثير من صور شهداء الآخرة حتى أوصلوها إلى خمسين شهيداً، ومنها:(المقتول دون ماله، والمقتول دون أهله، وقائل كلمة الحق عند السلطان الجائر، وطالب العلم، والمطعون، والمبطون، والمرأة تموت بجُمع(أي تموت وفي بطنها ولد)، وغيرهم كثير..
3- شهيد الدنيا والآخرة:
وهو المسلم المكلف الذي قُتل في الحرب مُخلصاً لله تعالى، مُقبلاً غير مدبر،، سواء قتله أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق، أو وجد في المعركة وبه أثر القتل،و لايكفن ولايُغسل ويُصلي عليه، وهو أعلى مراتب الشهادة، وأفضلها في مراتب الجنة. قال تعالي: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.
واعلموا رحمكم الله: أن كل من سأل الله الشهادة بصدق بلغة الله منازل الشهداء،وإن مات على فراشة، قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ؛ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ؛ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ”.
لذلك كان عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ يقول في دعائه: “اللهمَّ ارزقْنِي شهادَةً في سبيلِكَ.. واجعلْ موتِي في بلَدِ رسولِكَ صلى الله عليه وسلم” ،فاستجاب الله دعاءه ورزقه الله الشهادة ودفن بجوار المصطفي صلى الله عليه وسلم..
أما عن منزلة الشــــهــــيـــــــــــــد.
إننا نعيشُ في هذ الشهر ذكرى عزيزة علينا ألا وهي ذكرى إنتصارات أكتوبر المجيد؛ وقد أكرمُ اللهُ جنودَنا بالنصرِ والشهادةِ في سبيله، وكلنا يعلم أنّ الشهادةِ في سبيله سبحانه هي الصفقةُ الرابحةُ بين العبدِ وربهِ؛ قال عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }. ولهذا كان الصحابةُ رضي اللهُ تعالى عنهم يتمنون الشهادةَ في سبيلهِ سبحانه لما لها من هذه المكانةِ العظيمةِ، ومنازل الشهداء كثيرة، نذكر بعضاً منها:
1- الكرامة عند الله تعالى:
روى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:َ “مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ “.
2- الشفاعة في أهل بيته:
عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال،قال: النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِه”.
3- الأمن من فتنة القبر:
عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلا الشَّهِيدَ قَالَ كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً”.
4- الشهداء لا يُصعقون من النفخ في الصور:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية؟ ﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ “من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟ قال: هم شهداء الله”.
5- مغفرة ذنوبه عند أول قطرة من دمه:
قال صلي الله عليه وسلم: “لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ”.
6- الشهيد يزوَّج بثنتين وسبعين من الحور العين:
عَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ”.
7- الشهيد رائحة دمه مسكٌ يوم القيامة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ».
8- الشهيد لا يجد ألم القتل:
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ما يجدُ الشهيد من مسِّ القتل إلا كما يجدُ أحدكم من مسِّ القرصة).
9- غباره يكون مانعا من دخان جهنم:
إنَّ الغبار الذي يصيبُ المجاهد في سبيل الله فيتسلَّل إلى جوفه يكون مانعًا من دُخان جهنم التي وقودُها الناس والحجارة؛ أخرج النسائي أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (لا يجتمعُ غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنم في جوفِ عبدٍ أبدًا).
حـــــــق أســـر الــشـــــهـداء علينا:
اعلموا رحمكم الله : أن الإسلام لم يغفل عن حقوق أسر الشهداء، بل أمر بالاعتناء بها و كفالتها، ومن أهم هذه الحقوق:
1- العناية بأسر الشهداء:
فقد ساوى النبي – صلى الله عليه وسلم – بين من يعتني بأسر الغزاة وجهز غازياً كمن غزا في سبيل الله، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا “.
2- زيارة أسر الشهداء:
وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يزور أسر الشهداء، ويواسيهم، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بَيْتًا بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: «إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي».
3- تبشير أسر الشهداء:
فعن عليّ بن عبد الله بن جعفرٍ، عن أبيه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هَنِيئًا لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ! أَبُوكَ يَطِيرُ مَعَ المَلاَئِكَةِ فِي السَّمَاءِ». و عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الجَنَاحَيْنِ»”
4- النفقة على أسر الشهداء:
فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى رجلاً عطاءه، أربعة آلاف درهم وزاده ألفًا، فقيل له: ألا تزيد ابنك كما زدت هذا؟ قال: إن أبا هذا ثبت يوم أحد، ولم يثبت أبو هذا”.
ولذا فقد ذكر الفقهاء -رحمهم الله-أن من مات أو قتل من جنود المسلمين فإنه ينفق على امرأته حتى تتزوج، وعلى ابنته الصغيرة حتى تتزوج، وعلى ابنه الصغير حتى يبلغ، ثم يجعل من المقاتلة إن كان يصلح للقتال، لأن في هذا تطييبًا لقلوب المجاهدين، فإنهم متى علموا أن عيالهم يكفون المؤنة بعد موتهم تحمسوا للجهاد والقتال”.