أهمية المرافق العامة ومسؤوليتنا المشتركة للحفاظ عليها

بقلم/ فضيلة د.عبد الرحمن سرحان عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بمحافظة مطروح

الحمدُ للهِ رب العالمين القائلِ في كتابه العزيز:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ ، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ونشهد أنّ سيدنا محمدًا عبدُهُ ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعدُ:كلنا نعلم أن الله عز في علاه سخرَ للإنسان كلَّ ما في هذا الكونِ لخدمته قال جل شأنه:{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} ،وقال تعالى: { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} ،ومن بين هذه النعمِ الذي سخرها الله عز وجل للإنسان

نعمة المرافقُ العامةُ :مثل:الطرقِ والمدارسِ والجامعاتِ والمستشفيات والمؤسساتِ الحكوميةِ والبحارِ والأنهارِ وغيرِها من النعمِ التي لا تعدُّ ولا تحصى ؛ كما قال تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } ،فَكُلُّ هَذِهِ النِّعَمِ تَحْتَاجُ مِنَّا إِلَى شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَسْخِيرِهَا لَنَا، قَالَ جل في علاه: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ،لذا كان من الواجب علينا أن نحافظ عليها،وأن نستخدمتَها استخدامًا صحيحًا فإننا إن فعلنا ذلك فقد شكرنا تلك النعمةَ ونالنا الرحمةَ والمغفرةَ {إن اللهَ لغفورٌ رحيمٌ}!! أما إذا أسأنا استخدامَها، أو تعدينا عليها فقد ظلمتنا أنفسَنا وكفرتنا بتلك النعمةِ وندخل في دائرة الظلمِ والكفرانِ،لقوله تعالى: { إنّ الإنسانَ لظلومٌ كفار} !!

فالْمُحَافَظَةُ عَلَى المرافق  الْعَامَّةِ سبب من أسبابِ مغفرةِ الذنوبِ،فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضى اللهُ عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ« . 

وعلى النقيض من ذلك من لم يحافظ عَلَى المرافق  الْعَامَّةِ يتعرض إلى عذاب الله تعالى،فعن عبد اللَّه بن حُبْشِيٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: “مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رأْسَهُ في النَّارِ”.وسئل أبو داود عن معني الحديث فقال: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَالْبَهَائِمُ عَبَثًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ”  ،فالمُمْتَلَكَاتُ والمرافقُ العامةُ  لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِلْكٌ لِلْجَمِيعِ،فيجب علينا أَنْ نحَافِظُ عَلَيْهَا، ونقف أمام مَنْ يُحَاوِلُ تَخْرِيبَهَا ، فَإذاَ كَانَ الْمَالُ الَّذِي يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ الْوَاحِدُ لَا يَجُوزُ الاِعْتِدَاءُ عَلَيهِ، فَكَيْفَ بِمَالِ النَّاسِ جميعا!

هناك وللأسف الشديد صور للتعدي على المرافق العامةِ تبكي لها العيون، ومن هذه الصورِ:

1-    استعمالُ الكمبيوتر  والتليفون الخاص بالعملِ لأغراضٍ شخصيَّةٍ لا تخصُّ العمل: قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَمَلَ علينا السِّلاحَ فليسَ مِنَّا، ومَنْ غَشَّنا فليسَ مِنَّا) 

2-    استغلالُ سيارة العملِ في احتياجاتهِ الخاصةِ وتوصيلِ أولادهِ وزوجتهِ إلى العمل: قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَمَلَ علينا السِّلاحَ فليسَ مِنَّا، ومَنْ غَشَّنا فليسَ مِنَّا) 

3-    عدمُ إتقانِ العملِ، وإضاعةٌ الوقتِ، والتربُّح من الوظيفة: قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَمَلَ علينا السِّلاحَ فليسَ مِنَّا، ومَنْ غَشَّنا فليسَ مِنَّا) 

4-    سرقةُ التيارِ الكهربائيِّ: لأن سارقُهَا سارقٌ للأمة كلِّهَا ؛ وهو مِن أكلِ أموالِ الناسِ بالباطل، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }.

5-    الإسراف في المياه: فقد مَرَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ ، فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ ؟ فَقَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ ” 

6-    إيذاءُ الناسِ في طُرقهِم :  بأيِّ نوعٍ من أنواعِ الأذى , فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ  -رضي اللَّه عنه- أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ آذَى المُسْلِمِينَ في طُرقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ ».  ويدخلُ في الأذى من يؤذي المارةَ بدخانِ سيجارتِه، والنوم في الطريق؛ لأن الطريقَ للمرور وليس محلًا للنومِ.

7-    التخلي في الطريقِ ومواضعِ الظلِّ: فَعَنْ معاذ بن جبل  -رضي اللَّه عنه- أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :” اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَالظِّلِّ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ. ”.

8-    إتلافُ الأشجارِ والزينةِ ومصابيحِ الإنارةِ: فهذه الأشجارُ والزينةُ والإنارةُ قد غرستها الدولةُ في الطرقات والمنتزهاتِ، وغيرِها من الأماكن العامةِ، لأغراضٍ مختلفةٍ ، فعن عبد اللَّه بن حُبْشِيٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: “مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رأْسَهُ في النَّارِ”.وسئل أبو داود عن معني الحديث فقال: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَالْبَهَائِمُ عَبَثًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ”.

9-    تخريبُ وتدميرُ المنشآتِ العامةِ: فإن مَن يقومُ بذلك من حرقِ المنشآتِ العامةِ وإتلافِ الحدائقِ يُعدُّ من صور التعديِ على المرافقِ العامةِ، وتشويهُ حوائط المنشآتِ العامةِ بالكتابةِ على جدران المدارسِ والجامعاتِ والمراحيضِ ومواقف المواصلاتِ العامةِ وغيرِها ، وقد توعدَ اللهُ هؤلاء بقولهِ جلّ وعلا:{ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . 

فاحذروا من تلك الصور والوقوع فيها، أقول قولى هذا وأستغفر الله العظيم لى ولكم

و أن الحفاظ على المرافق العامة مسؤولية تجب على جميع أفراد المجمتع، فعلينا أنْ نربيَ أبناءَنَا وبناتِنَا على حرمةِ المرافقِ العامةِ والحفاظِ عليها، وذلك من بداية المحافظة داخل بيوتنا من تَعْلِيمِ الْأَبْنَاءِ تَنْظِيفَ غُرَفِهِمْ، وَتَرْتِيبَ مَلَابِسِهِمْ، وَحَمْلَ نُفَايَاتِهِمْ، إلى المحافظة على المرافق والطرقات، وقد جمع النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم آدابَ الطريقِ وحقوقَه والمرافقِ العامةِ في حديثٍ جامعٍ شاملٍ مانعٍ، فعن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ ». 

وقد رُوي عن أبي بكرٍ المروزي: أنّ شيخًا كان يجالسُ الإمامَ أحمدَ بن حنبل -رحمه اللّه- ذا هيبةٍ، فكان أحمدُ يقبلُ عليه ويكرمُه فبلغه عنه أنه طيَّن حائطَ دارهِ من خارج، قال: فأعرضَ عنه في المجلس فاستنكرَ الشيخُ ذلك فقال: يا أبا عبدَ اللّهِ هل بلغكَ عني حدث أحدثتُه؟ قال: نعم، طينتَ حائطَكَ من خارج، قال: ولا يجوز؟ قال: لا؛ لأنك قد أخذتَ من طريق المسلمين أنملةً قال: فكيف أصنع؟ قال: إما أن تكشطَ ما طينتَهُ، وإما أن تهدمَ الحائطَ وتواخره إلى وراء مقدار أصبعٍ ثم تطينه من خارج قال: فهدم الرجلُ الحائطَ وأخّره أصبعًا ثم طينه من خارج، قال: فأقبل عليه أبو عبدٌ اللّهِ كما كان” (قوت القلوب) .

 فاعلموا أنّ الأمرَ جدُّ خطيرٍ، وإياكم إياكم من التعدي على المرافق العامةِ بجميع صورِ التعديِ، قولوا لكلِّ من استحلَّ شيئًا منها؛ أنه يأتي به حاملَهُ على رقبته يومَ القيامةِ ، يقول تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

فعلينا أنْ نحافظَ على المرافق العامةِ، وأنْ نكونَ صورةً مشرفةً حضاريةً لمصرنا الحبيبةِ أمام العالم ِكلِّه .

نسأل اللهَ أن يحفظَنا ويحفظ بلادَنا من كل مكروهٍ وسوءٍ

زر الذهاب إلى الأعلى