“الإنسانية في رمضان”

بقلم فضيلة الدكتور عبد الرحمن سرحان / عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بمحافظة مطروح
الحمدُ للهِ الذي فرضَ على عبادهِ الصيامَ.. وجعلَهُ مطهرًا لنفوسِهِم مِن الذنوبِ والآثامِ،الحمدُ للهِ الذي خلقَ الشهورَ والأعوامَ،والساعاتِ والأيامَ، وفاوتَ بينهَا في الفضلِ والإكرامِ وربُّكَ يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ ،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، خيرُ مَن صلَّى وصامَ، وبكَى مِن خشيةِ ربِّهِ حينَ قامَ. القائلُ كمَا في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ” الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ” ، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أيها الصائمون: إن الناظر في فريضة الصيام يدرك الكثير من الجوانب الإنسانية فيها، فالصيام لم يشرع تعذيبًا للبشرية، ولا انتهاكًا للإنسانية، ولك شُرع لغرس التقوى في نفوس الصائمين والتي تخدم الجوانب الإنسانية، وقد تعددت الجوانب الإنسانية في فريضة الصوم في شهر رمضان، ومنها:
• مراعاة أصحاب الأعذار الذين يباح لهم الفطر في رمضان، ويجب عليهم القضاء بعد رمضان: هم المرضى بمرض غير مزمن يؤثر على صحتهم عند الصيام ويلحق بهم ضررًا ومشقة، ومعهم المسافرون المباح لهم قصر الصلاة بالشروط التي حددها الفقهاء، قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
• مراعاة أصحاب الأعذار الذين يباح لهم الفطر في رمضان، ويجب عليهم الفدية والإطعام في رمضان: فيشمل المرضى بمرضٍ مزمن (أمراض البطن والكبد والكلى…الخ)، والشيخ الكبير والمرأة العجوز، والحامل والمرضع على رأي ابن عمر وابن عباس (رضي الله عنهم)، وأصحاب الأعمال الشاقة إن كانوا لا يجدون عملًا غيره في نهار رمضان، ولا يستطيعون أداء هذا العمل ليلًا وليس لهم إجازات طوال العام، إن كانوا جميعًا لا يقدرون على الصيام أو يطيقونه بمشقة شديدة وحرج مسببًا لهم الضرر، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، قال ابن عباس (رضي الله عنهما): (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ، وَالمَرْأَةُ الكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: (رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حَامِلًا أَوْ مُرْضِعًا , فَقَالَ: أَنْتَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَا يُطِيقُهُ , عَلَيْكَ أَنْ تُطْعِمِي مَكَانُ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا , وَلَا قَضَاءَ عَلَيْكَ) (1) (قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا إِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا).
• مراعاة أصحاب الأعذار الذين يجب عليهم الفطر في رمضان، ويجب عليهم القضاء بعد رمضان:فيشمل المرأة الحائض والنفساء، ومَنْ يحتاجُ الإِفطار لإنقاذ آدمي (معصوم الدم) من مَهْلكَةٍ، كغريقٍ ونحوِه، فعن السيدة عائشة (رضي الله عنها): (كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ نَطْهُرُ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ).
• مراعاة الطبيعة البشرية، والغريزة الإنسانية، فأبيح للصائمين الأكل والشرب وجماع النساء ومعاشرتهم في ليل رمضان بعد أن كان محرمًا عليهم ذلك لمن نام قبل أن يفعله، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
• مراعاة الفقراء والمساكين، فكان تشريع الفدية لمن أفطر في نهار رمضان من الشيخ الكبير…الخ،و الكفارة لمن واقع زوجته في نهار رمضان،و زكاة الفطر حيث شرعت طعمة للفقراء والمساكين، وتطهيرًا للصائمين، فعن ابن عباسٍ قال:” فرض رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلم – زكاةَ الفِطْر طُهْرةً للصَائم مِن اللغو والرَّفثِ وطُعْمةً للمساكينَ، مَنْ أدَّاها قبلَ الصَّلاة، فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاة، فهي صَدَقةٌ من الصَّدقات”.
• الأمر بالمواساة عمومًا وتفطير الصائمين، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» ، وعَنْ سَلْمَانَ قَالَ:خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَالَ: “أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، وَشَهْرٌ يَزْدَادُ فِيهِ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ، مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ، وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ”. قَالُوا: لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ. فَقَالَ: “يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تَمْرَةٍ، أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ، أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ، وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ، مَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَأَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ، وَاسْتَكْثِرُوا [197 – ب] فِيهِ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: خَصْلَتَيْنِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ، وَخَصْلَتَيْنِ لَا غِنًى بِكُمْ عَنْهُمَا، فَأَمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَانِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ، فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَتَسْتَغْفِرُونَهُ، وَأَمَّا اللَّتَانِ لَا غِنًى بِكُمْ عَنْهُمَا، فَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعُوذُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ أَشْبَعَ فِيهِ صَائِمًا، سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ”.
• جواز الاستمتاع بالأشياء المباحة خلال ساعات الصوم، كالتبرد بالماء والانغماس فيه، واستخدام أجهزة التكييف والمراوح بأنواعها، واستخدام السواك وما يقوم مقامه، والتطيب، والتزين، وشمّ الورود والرياحين…الخ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ».
اللهم ارزقنا حلاوة الإيمان، وحسن الأخلاق في رمضان، اللهم اجعلنا ممن وجلت في قلوبهم الرحمة والإنسانية يارب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى