كلام فى الحوار
بقلم أ.د/ أسامة نبيل _ كلية اللغات والترجمة – جامعة الأزهر
شاهدت فى إحدى قنوات اليوتيوب مناظرة بين شخص ليبى مسلم اعتاد محاورة غير المسلمين، وشخص آخر يدعى أنه “لادينى”. كانت بداية الحوار صادمة حين وصف الليبى المسلم الشخص اللادينى بأنه “ملحد”!!! وبدأ فى توجيه سيل من النقد مستندا إلى آيات قرآنية تؤكد على وحدانية الله. فاستوقفه الشخص “اللادينى” وشرح له معنى “لادينى” مبيينا أن هناك فرقا بين “الملحد” و”اللادينى”، فلم يكترث الشخص المسلم لهذا الفرق كثيرا واستمر فى نقد الفكر الإلحادى! وخسر القضية التى جاء من أجلها! لأنه لم ينصت جيدا ولم يفكر مليا فيما قاله “الآخر”.
فالقاصى والدانى يعلم أن “الملحد” هو من ينكر وجود إله خالق لهذا الكون، أما “اللادينى” فهو شخص يؤمن بوجود إله لهذا الكون، لكنه لا يؤمن بالرسل والكتب، أى لا يؤمن بالرسالات السماوية، لأنه يعتقد أن الإنسان يستطيع من خلال الفطرة أن يؤمن بالله. وهذا التيار الفلسفى ظهر فى أوروبا فى القرن الثامن عشر، وكان من أهم رواده الكاتب الفرنسى “فولتير”. ومالبث أن انحسر هذا الفكر فى القرن التاسع عشر لتعود المسيحية إلى الساحة الفكرية مرة أخرى من خلال الكاتب الفرنسى شاتوبريان فى كتابه “عبقرية المسيحية”.
فهل يستطيع المحاورمناقشة وإقناع الآخر دون علم بالأديان والفلسفات المختلفة؟
فى الواقع، إن التصدى للحوار مع الآخر فى أمور تتعلق بالعقيدة يتطلب خلفية ثقافية ودينية عميقة ، ما يطلق عليه فى الإسلام “علم الكلام”. “فالمتكلم” فى الإسلام يسيطيع إجراء حوار عقدى لأنه يمتلك من العلم ما يمكنه من عرض البراهين “العقلية والنقلية” بمنطق يجعل “اللادينى” يعيد التفكير فى فلسفته. والمتكلم يدرك تماما الفرق فى المنهج بين حوار”الملحد” وحوار “اللادينى”، وذلك بفضل احتكاكه بالثقافات الأخرى واتباع الأديان السماوية والوضعية.
فالمتكلم يدرك أن للحوار قواعد وآليات تقوم قبل كل شىء على الاحترام المتبادل وعدم السخرية من فكر الآخر، والقدرة على تقديم الآدلة التى تتناسب مع منهج وفكر الغير. فيخطىء من يعتقد أن الهدف من الحوار هو إقناع الآخر بترك ملته أو عقيدته والدخول فى الإسلام، بل الهدف من الحوار هو التعارف والتعايش والتعريف بالإسلام بطريقة صحيحة . فكل إنسان حر فى اختيار عقيدته ومسئول أمام الله عن صحة معتقداته.
فقد علمنا القرآن الكريم ورسولنا “عليه الصلاة والسلام” أن ندعو إلى الله “بالحكمة والموعظة الحسنة ” وأنه “لا إكراه فى الدين”.