? غزوة بدر الكبرى .. فاتحة الانتصارات في شهر الرحمات
?️ بقلم المستشار عبد السلام مهاجر قريرة
معركة بدر انتصر فيها المسلمون على كفار قريش يوم 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة ، محققين أول نصر ساحق على كفار قريش الذين خرجوا من مكة في قوة بشرية يزيد عددها عن ( 1000 ) ألف مقاتل ، بعد أن وصلهم الخبر أن محمدا عليه الصلاة والسلام وأصحابه قد تعرضوا لقافلتهم القادمة من الشام.
وقعت هذه المعركة بالمكان الذي سميت به بوادي بدر ، بالقرب من يثرب التي هاجر اليها عددا من المسلمين بعد أن كذّبت قريش برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وقتلت عددا من المسلمين ، وعذبت آخرين وشردتهم وصادرت أموالهم ، ولذلك عندما سمع رسول الله بقافلة قريش التي يسوقها أبوسفيان قادمة من الشام في طريقها الى مكة ، ندب بعض أصحابه لاعتراض القافلة ، فنهض معه عددا من الصحابة يزيد عددهم عن ( 300 ) الثلاثمائة بقليل يعتقدون أنهم سيغنمون القافلة دون أن يلقوا حربا ، قال تعالى : ( واذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين )
وبوصولهم لماء بدر وجدوا القافلة قد أخذت طريقا آخر ونجت ، إلا أن كفار قريش الذين خرجوا من مكة لحمايتها لم يرجعوا بعد نجاة القافلة وأصروا على أن يردوا ماء بدر ليسمع محمدا وأصحابه بقوتهم ، وبذلك يظلون يهابونهم ويخشونهم ويتجنبون مواجهتهم ، وقد قدر الله لأن يلتقي الجمعان على غير موعد بأن قال تعالى مخاطبا رسوله :
( إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا )
وقد التقى الجمعان جمع الكفار الذي يمثل الفئة الكثيرة ، وجمع المسلمين الذي يمثل الفئة القليلة ، قال تعالى : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة والله مع الصابرين ) وقد أمد الله المسلمين بالملائكة لتثبتهم ولتقاتل معهم فقال تعالى : ( اذ تسغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وماجعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله )
( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين ءامنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان )
ولمّا تأكد أن الأمر أخذ طريقه نحو مواجهة مباشرة ، استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فقال المهاجرون خيرا وصرح الصحابي الجليل المقداد بن عمرو بقوله : ( يا رسول الله ، امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ، ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه ، حتى تبلغه )
لكن الرسول كان يريد توضيح موقف الأنصار لأن البيعة التي كانوا قد عقدوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن تتضمن القتال ، بل كانت تشتمل على حمايته ، لذلك حرص عليه الصلاة والسلام على التحقق من موافقتهم فقال مرة ثانية ( أشيروا عليّ أيها الناس )
فقام الصحابي الجليل سعد بن معاذ وهو القيادي في صفوف الأنصار قائلا :
( والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال : ( أجل )
قال : فقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجلا واحدا ، وما نكره أن تلقى بنا عدوًا غدًا ، وإنا لصبُر في الحرب صدُق في اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله
فسُرّ الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول الصادر من المهاجرين والأنصار وقال :
( سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين )
وبتقابل الجمعان عند ماء بدر تقدم بعض من قادة قريش طالبين المبارزة كما كانت عادة العرب في المعارك ، وكان هؤلاء :
1 – عتبة بن ربيعة 2 – شيبة بن ربيعة 3 – الوليد بن عتبة ، فخرج نفر من الأنصار لمبارزتهم فاعترض كفار قريش وطلبوا مقاتلين من بين قومهم المهاجرين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا من :
1 – عبيدة بن الحارث 2 – حمزة بن عبدالمطلب 3 – علي بن أبي طالب للخروج ، وبالتحامهم مع المقابلين لهم تمكنوا من قتلهم مما رفع معنويات المسلمين وأصاب كفار قريش بالإحباط ، والذعر والرعب ، ثم بدات المعركة بين كر وفر ، وبشر الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه بالنصر وبالدعم الإلهي ، فتحقق وعد الله بالنصر المؤزر لرسوله وللمؤمنين ، قال تعالى : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى )
وقد قتل نحو سبعين شخصا من قريش بينهم أبو جهل الذي هو عمرو بن هشام ، وأمية بن خلف ، وعتبة بن ربيعة .كما أسر المسلمون نحو سبعين آخرين من كفار قريش ، وقد استشهد عدد أربعة عشر صحابيا ، وجرح عدد قليل من الصحابة ، فلقد كان النصر المؤزر الذي حققه الله للمسلمين بمدد من الملائكة كما جاء في قولة تعالى :
( وَلَقَدْ نَصَّرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِين بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِين )
وقد كان لهذه الغزوة أهمية بالغة مع الانتصارات الكبيرة التي تحققت للمسلمين ، بالإضافة للتأثيرات الإيجابية التي خلّفتها في نفوسهم ، حيث رفعت من معنوياتهم وزادت في إيمانهم وقوت من شوكتهم وذاع صيتهم ، وهزَّت كيان أعدائهم ، وأصبحوا ينظرون إلى المسلمين على أنهم قوة لا يستهان بها .
يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم
اللهم انصر أبناء الأمة على أعداء الأمة.