نعمة الأمن والأمان.. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
الأمنُ من أهمِّ مطالبِ الحياة، بها تتحقَّقُ الحياةُ السعيدةُ، وبه يحصُل الاطمئنانُ والاستِقرار، به تتحقَّقُ السلامةُ من الفتن والشُّرور، لذا فهو نعمةٌ كُبرى ومنَّةٌ عظيمةٌ لا يعرِفُ كبيرَ مقدارِها وعظيمَ أهميتها إلا من اكتوَى بنار فقدِ الأمن .
في ظل الأمن والأمان والإيمان تحلو العبادة فيصير النوم سباتاً والطعام هنيئاً والشراب مريئاً الأمن والأمان عماد كل نجاح وهدف مرتقب لكل المجتمعات فإذا آمن الناس أمنوا وإذا أمنت المجتمعات نمت ، فلا أمن بلا إيمان ولا نماء بغير ضمانات ضد الهدم .
﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
سورة الأنعام
ولهذا يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
من أصبح آمناً في سربه أى بيته معافىً في جسده عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها .
رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجه وحسنه السيوطي .
وإذا كان الأمن نعمة لا يختلف عاقلان على أهميته فإن المحافظة عليه أوجب وآكد وهي مسئولية مشتركة على المجتمع بأسره .
قال الله عز وجل ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
سورة الأنعام
إن من أعظم النِّعم بعد نعمة الإسلام والإيمان نعمةُ الأمن الذي هو هِبَةٌ مِن الله يغْبط عليها، ومنَّةٌ منْه تستوجب الشُّكر والحمد ؛ لأنَّها إذا اختلَّت فسدت الحياة وحلَّ الشَّقاء مكانَ السَّعادة والفوضى مكان النِّظام والخوف مكان الاطمئنان والجوع مكان الرَّغَد والظُّلم والعدوان مكان العدل والرَّحْمة وتعطيل الْمَصالِح مكان إقامتها والتَّفْرِقة والتمزُّق مكان الوحدة والاستقرار والهرج والمرج مكان السَّلامة والطُّمأنينة .
وفي رحاب الأمن يحفظ الدِّين والأنْفُس والأعراض والأموال والعقول وهي الضَّروريات الْخَمس الَّتي جاء شرْعُنا لِحِفظها وإرساء ما يَكْفل سلامتها .
ولهذا تضرّع الخليل إبراهيم عليه السَّلام لربِّه عزَّ وجلَّ بقوله :
﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
سورة البقرة
فاستجاب الله له فقال سبحانه :
﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾
سورة آل عمران
كما جعل الله تعالى الأمْنَ مِن أخصِّ صفات الجنة فقال تعالى :
﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾
سورة الحجر
وقال تعالى :
﴿ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾
سورة سبأ
ولذلك أمَر شرْعُنا بالعمل على تحقيق أمْن النَّاس والسَّهَر على سلامتهم وعدم فِتْنتهم أو ترويعهم ولو على سبيل الْمزاح واللَّعِب .
فقد قال النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :
لا يأخذُنَّ أحدُكم متاعَ صاحبه لاعِبًا ولا جادًّا وإن أخذ عصا صاحبه فلْيَردَّها عليه .
رواه أحمد
ونَهى المسلم أن يُمازح صاحبه بالسِّلاح فقال صلَّى الله عليه وسلَّم :
لا يُشِرْ أحدكمْ إلى أخيه بالسِّلاح فإنَّه لا يدْري أحدُكمْ ، لعلَّ الشيْطان ينْزع في يده فيقع في حفْرةٍ من النَّار .
متفق عليه
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم :
مَن أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإنَّ الملائكة تَلْعنه حتَّى وإن كان أخاه لأبيه وأمِّه .
رواه مسلم
قال النوويُّ رحمه الله :
هذا مبالغةٌ في إيضاح عُموم النهي في كلِّ أحدٍ سواء مَن يُتَّهم فيه ومن لا يتَّهم وسواء كان هذا هزْلاً ولعبًا أمْ لا ؛ لأنَّ ترويعَ المسلم حرامٌ بكلِّ حال .
وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه أنَّهم كانوا يسيرون مع النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فنام رجلٌ مِنهم ، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع .
فقال النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :
لا يَحِلُّ لمسلم أن يروِّع مسلمًا .
صحيح سنن أبي داود
وما سُمِّي المؤمن الحقيقيُّ مؤمِنًا إلاَّ لأنه مأمونُ الجانب لا يعرف غدرًا ولا خيانة ولا تخريبًا ولا عنفًا ليس إمَّعةً يَتَّبِع كلَّ ناعق وليس غوغائيًّا تَحكمه الحماسات والعواطف .
فعن فَضالة بن عبيد رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع:
ألا أُخْبِركم بالمؤمن ؟
من أمِنَه الناس على أموالِهم وأنفسهم والمسلم من سَلِم الناس من لسانه ويده ، والمُجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذُّنوب .
رواه ابن حبان
نعمة الأمن مطلب لا تستقر الحياة دونه وهو مسؤولية الناس جميعًا ولا طعم للحياة بلا أمن بل الحاجة إليه كالحاجة للطعام والشراب فلا قوام للحياة دونه .
وفي هذه الأيام يأبَى أصحاب النفوس الحاقدة والأفكار المنكوسة إلا تكدير الصفو على الآمنين ومحاولة خرق سفينة المجتمع لتحقيق ما يطمع له أعداء هذه البلاد من زعزعة الأمن وبث الفرقة وتسليط أدوات من هذا المجتمع عشعش الفكر الضال في عقولهم فخدموا أعداء الدين من حيث يشعرون أو لا يشعرون .
إن مسؤوليتنا الشرعية والخلقية والوطنية تحتِّم علينا المساهمة كل على قدر استطاعته في الحفاظ على الأمن بمفهومه الشامل ، وردع الظالمين وفضح مَن تسوِّل له نفسه العبث بأمن البلاد أو الاعتداء على حُرمات العِباد ، وينبغي ألا تأخذنا العواطف في التسامح والتساهل مع المجرمين أيًّا كان نوعهم ومهما كانت مشاربهم .
والأمن من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإيمان والإسلام ولا يشعر بهذه النعمة إلا من فقدها كالذين يعيشون في البلاد التي يختل فيها النظام والأمن أو الذين عاصروا الحروب الطاحنة التي تهلك الحرث والنسل ، فهم ينامون على أزيز الطائرات وأصوات المدافع ويضع الواحد منهم يده على قلبه ينتظر الموت في أي لحظة .
قال تعالى :
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
سورة الأنعام
فِي رِحَابِ الْأَمْنِ وَظِلِّهِ يَأْمَنُ النَّاسُ عَلَى دِينِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَيَسِيرُونَ لَيْلًا وَنَهَارًا لَا يَخْشَوْنَ إِلَّا اللهَ وَالْإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَا يَرْتَاحُ إِلَّا بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الشُّرُورِ وَالْأَحْزَانِ .
وَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى أَنَّ الدُّنْيَا تَجْتَمِعُ لِلْعَبْدِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءٍ .
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا .
وَمَطْلَبُ الْأَمْنِ يَسْبِقُ طَلَبَ الْغِذَاءِ فَبِغَيْرِ الْأَمْنِ لَا يُسْتَسَاغُ طَعَامٌ وَلَا يُهْنَأُ بِعَيْشٍ وَلَا يَلِذَّ نَوْمٌ وَلَا يُنْعَمُ بِرَاحَةٍ .
نَحْنُ فِي نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ لَا يَعْرِفُ قِيمَتَهَا إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا ؛ عِنْدَنَا أَمْنٌ فِي الْوَطَنِ وَالْتِفَافٌ بَيْنَ الْقَادَةِ وَالرَّعِيَّةِ .
وَمَنْ نَظَرَ فِيمَنْ حَوْلَنَا مِنَ الدُّوَلِ عَرَفَ صِدْقَ مَا أَقُولُ وَعَرَفَ قَدْرَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نِعَمٍ .
وَمَا الْأَمْنُ الَّذِي نَعِيشُهُ فِي بِلَادِنا وَنَتَفَيَّأُ ظِلَالَهُ مَا هُوَ إِلَّا مِنْحَةٌ رَبَّانِيَّةٌ وَمِنَّةٌ مِنَ اللهِ ، مَرْبُوطَةٌ بِأَسْبَابِهَا وَمُقَوِّمَاتِهَا وَلِكَيْ يَرْضَى الْوَاحِدُ مِنَّا وَيَعْرِفُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَنِعْمَةٍ وَأَمْنٍ فَلْيَتَأَمَّلْ حال البلاد حوله حِينَهَا سَيَعِيشُ مُرْتَاحَ الْبَالِ رَاضِيًا بِمَا لَدَيْهِ مِنْ نِعَمٍ وَلَوْ قَلِيلَةٌ فِي نَظَرِهِ .
وأخيراً :
علينا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ عَلَى نِعْمَةِ الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَمِنْ شُكْرِهَا أَنْ نَقِفَ صَفًّا وَاحِدًا مَعَ دَوْلَتِنَا خَلْفَ وُلَاةِ أَمْرِهَا وجيشها وَجُنُودِهَا ومُلْتَفِّينَ حَوْلَ عُلَمَائِهَا حَذِرِينً مِنَ الْمُنَافِقِينَ الْمُنْدَسِّينَ بيننا وَمِنْ أَصْحَابِ الْأَقْلَامِ الْمَسْمُومَةِ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِينَ الْعَلْمَانِيِّينَ ممَّنْ يَدْعُونَ لِكُلِّ رَذِيلَةٍ وَفَسَادٍ وأَفْكَار مَسْمُومة لِشَقَّ الصَّفِّ .
وَعلينا أن نَعْتَصِمَ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَأَنْ نَكُونَ يَدًا وَاحِدَةً عَلَى كُلِّ مُجْرِمٍ أَثِيمٍ يُرِيدُ أَنْ يُزَعْزِعَ أَمْنَنَا وَاسْتِقْرَارَنَا وَيَنْشُرَ الْفَوْضَى فِي مُجْتَمَعِنَا وَلْنَعْلَمْ أَنَّنَا فِي خَنْدَقٍ وَاحِدٍ وَسَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْخَرْقُ فِيهَا يُفْضِي إِلَى غَرَقِ الْجَمِيعِ .
فَعَلَى أَبْنَاءِ بلادنا الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ ؛ أَنْ يَعْرِفُوا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالْأَمَان وأَنْ يَتَنَبَّهُوا لِهَذَا الشَّرِّ وَأَنْ يَقِفُوا سَدًّا مَنِيعًا أَمَامَ الْمُؤَامَرَاتِ الْمَشْبُوهَةِ الَّتِي تَسْتَهْدِفُ وِحْدَة وسلامة جمهورية مصر العربية حَرَسَهَا الله .
فَاشْكُرُوا المُنْعِم عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيْمَة نِعْمَةِ تَوْحِيْدِ صَفِّنَا .
اللَّهُمُّ احَفِظَ عَلَى بِلَادِنا وَرَدَّ عَنْهَا كَيْدَ الْكَائِدِينَ وَحِقْدَ الْحَاقِدِينَ .
اللَّهم احفظ بلادنا من الشُّرور والآفات وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين .