التذييل وصناعة الكذب وتزييف الحقائق… أبرز الأساليب المستحدثة للتغطية الإعلامية الغربية للحرب على غزة
يلعب الإعلام دورًا حيويًّا في تغطية الصراعات حول العالم، شريطة الالتزام بالمعايير المهنية من حيث تقديم الأحداث والصراعات دون تدخل في تعديل مساراتها بالحذف والإضافة، أو التحيز إلى جانب أحد الأطراف على حساب آخر.
لكن المتابع للتغطية الإعلامية العالمية، للإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة، سوف يلاحظ مخالفة وسائل إعلام تحظى بملايين المتابعين من مختلف الجنسيات، الكثير من المعايير المهنية، وأبرز دليل على ذلك توقيع أكثر من (750) صحفيًا بالمؤسسات الإخبارية العالمية مثل “واشنطن بوست”، و”لوس أنجلوس تايمز” و”الغارديان” على رسالة تدين تورط جيش الاحتلال الصهيوني في جرائم قتل الصحفيين في غزة، وتدعو للاستفادة من مصطلحات مثل “الفصل العنصري” و”الإبادة الجماعية” في التعبير عن جرائم الصهاينة تجاه الفلسطينيين في غزة، والتحذير من تداعيات الحصار الإعلامي للقطاع على تهديد مصداقية الأخبار ونشرها بشكل خطير في ظل استهداف الاحتلال للصحفيين.
“الفيسبوك” والخطأ العرضي المعتاد وصف الكثيرون منصات التواصل الاجتماعي بـ (الإعلام البديل) حيث يتيح للنشطاء نشر وترويج المحتويات المكتوبة والمرئية والمسموعة.
وقد لعبت هذه المنصات دورًا كبيرًا في نشر الفوضى ببعض البؤر الساخنة حول العالم. لكن للأسف اتسم موقف هذه المنصات وبخاصة (الفيس بوك) بالانحياز للجانب الصهيوني. ففي العام 2021م أنشأت المنصة صفحة متخصصة في جميع التبرعات للاحتلال باسم (Jerusalem Prayer Team) بمشاركة الكثير من الحسابات دون علم أصحابها.
ووسط انتقادات شديدة أعلنت الشركة المسؤولة عن الفيسبوك حذف الصفحة لانتهاكها القواعد، علمًا بأن إضافة المستخدمين تم دون رغبتهم إنما يثبت تورط موقع التواصل في ذلك، وما يدعم ذلك حذف موقع إنستغرام المملوك للفيسبوك (في نفس العام) صور الأقصى والوسوم الداعمة باللغتين العربية والإنجليزية في تحيز واضح ضد الفلسطينيين. الأمر نفسه تكرر حاليًا سواء بحذف المنشورات التي تدعم وتناصر القضية الفلسطينية والتي بلغت نحو (800) ألف منشور محذوف، وإخفاء متعمد للصفحات الإخبارية المتحدثة باسم الفلسطينيين، أو تكرار مسلسل الكذب وادعاء أن ما حدث هو مجرد “خطأ عرضي”
من خلال ما سبق، يتضح أن المسألة لا تتعلق بطوفان الأقصى كما يبرر (نتانياهو) للحملة المسعورة الحالية على الفلسطينيين، ولكن هى سلسلة من الأحداث المتراكمة منذ أكثر من (100) عام أوصلت الوضع في أرض فلسطين التاريخية إلى ما نراه اليوم من ظلم واستبداد وقمع وسفك لدماء الصغير قبل الكبير لإحداث التحول الديموغرافي المرغوب به الذي طالما حلم الكيان الصهيوني في تحقيقه لصالحه عبر موجات متتالية من عمليات تهجير اليهود إلى فلسطين، ولكن باءت خططه بالفشل.
سياسة التلاعب بالعقول كما سبقت الإشارة، لم يختلف محتوى التغطية الإعلامية العالمية للأحداث الراهنة في الأراضي المحتلة، مع استحداث أساليب جديدة مثل (التذييل) بمعنى تصدير المتابعات والتقارير الإعلامية بالمعلومات والأفكار التي تخدم الكيان الصهيوني، واختتامها بالمعلومات التي تتعلق بالجانب الفلسطيني. على سبيل المثال تعمدت شبكة (سي إن إن) الأمريكية، تصدير تغطية الإفراج عن الأسيرة الصهيونية “يوخفيد ليفشيتز” باجتزاء مقتطفات سلبية من تصريحاتها، وتذيل الخبر بإشادة المرأة بحسن معاملتها أثناء فترة احتجازها. من الأساليب الأخرى صناعة الكذب وترويج الشائعات ثم تكذيبها، ففي الساعات الأولى من العدوان على غزة ما نشرته صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية من أخبار غير موثقة حول عمليات اغتصاب النساء وقطع رؤوس الأطفال على يد المقاومة، ثم ما لبثت أن تراجعت عن الخبر بعد إحداث الصدى المطلوب منه.
هذا بخلاف الواقعة الشهيرة التي لفتت الانتباه حول العالم، عندما تلقت مراسلة الشبكة في فلسطين عبر الهاتف أوامر من المخرج بالانخفاض وإبداء الخوف والانزعاج لإيهام المشاهدين بأن المقاومة تستهدف الإعلاميين، قائلًا: “تلفتي حولك بطريقة تبدو فيها أنك مذعورة”
ومن هذه الأساليب أيضًا تزييف الحقائق، فقد ألقى “يارون ديكل” المدير الإقليمي للوكالة اليهودية بكندا، في مقالة منشورة بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية، باللوم على الفلسطينيين والمقاومة، في اضطهاد اليهود بكندا واضطراهم إلى إخفاء هويتهم الدينية والخوف من دعم ما أسماه الوطن الأم في الأرض المحتلة. مستخدمًا العبارة الشهيرة “معاداة السامية” تعبيرًا عن الموقف الشعبي الرافض للمجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين، معتبرًا ذلك أمرًا غير مقبول ويهدد أمن اليهود في كندا.
واستفاد من تهمة (معاداة السامية) في وصف الموقف الشعبي الكندي الرافض للمجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين، معتبرًا ذلك أمرًا غير مقبول ويهدد أمن اليهود في كندا. مع هذا فقد أكد في نهاية مقاله جمع أكثر من (72) مليون دولار للعمل على إعادة بناء المستوطنات في غلاف غزة.
وبعبارات تهديد مبطنة، تحدث المدير الإقليمي عن ما أسماه تحيز هيئة الإذاعة الكندية (CBC) الممولة من أموال دافعي الضرائب كما ذكر في رسالته غير المباشرة، لصالح الفلسطينيين من خلال رفض وصف المقاومة بالإرهابيين، هذا التهديد المبطن هو أحد أدوات الضغط المستخدمة من جانب هؤلاء لتحويل دفة الإعلام لصالحهم دومًا.
إذًا دور الإعلام في غاية الخطورة في حال توظيفه لصالح أطراف معينة في الصراعات، هذا إلى جانب ابتعاده عن نقل الحقائق فإنه يعطي تلك الأطراف ضوءًا أخضرًا لمواصلة انتهاكاتهم للقانون الدولي ويصبح العالم غابة حقيقية لا يحترم فيها الإنسان ويستهان بحياته، كما تضلل الرأي العام العالمي لصالح تلك الأطراف، والذي على مدار سنوات يصبح ذلك عبئًا تاريخيًّا يطمس حقوق الشعوب وإرادتها الحرة.
لماذا تتعمد وسائل الإعلام الغربية تزييف الحقائق الفلسطينية؟ اعترف بعض الإعلاميين بانحياز وسائل الإعلام الأجنبية للجانب الصهيوني في تغطية الأحداث الفلسطينية.
على سبيل المثال كشفت “سارة هيلم” مراسلة صحيفة (الإندبندنت) البريطانية سابقًا، عن وقوعها ضحية الضغط الإعلامي والسياسي الصهيوني المكثف على كل المستويات؛ خاصة من جماعات الضغط المؤيدة للاحتلال داخل لندن، وخوف المتعاملون مع هذه القضية من الملاحقة بتهمة معاداة السامية. كما ذكر “ديفيد كرونين” الكاتب السابق بصحيفة “الجارديان” البريطانية، أن أحد المحررين قد نصحه بالابتعاد عن تغطية الشأن الفلسطيني.
وعزا (كرونين) إشكالية إهمال السياق التاريخي للقضية الفلسطينية في الإعلام الغربي، للخوف من سيل التهم المعلبة ضد من يقرر خوض هذا المضمار، وهو ما انعكس على عدم فهم القراء في العالم حقيقة ما يحدث داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي تتعرض لعدوان أحادي الجانب تاريخيًّا.
لذلك لم يكن من المستغرب ألا يعي القراء تسجيل عدد (7) من أصل كل (10) فلسطيني بغزة كلاجئين منذ عام 1948م نتيجة إجبار العائلات الفلسطينية على النزوح بسبب العصابات الصهيونية المسلحة القادمة من أوروبا.
وتحت عنوان (مشكلة تغطية وسائل الإعلام الغربية الرئيسة لفلسطين) والمنشور في مايو 2021م، كتبت صحيفة “ديلي ستار” البريطانية، عن التناول الإعلامي الغربي المتحيز للصهاينة، وتحريف لمعاناة الفلسطينيين بوصف ردود أفعالهم بـ (تصعيد للعنف)! والسؤال: ما هي عوامل نجاح عملية التعتيم المتعمد للحق الفلسطيني؟
هناك العديد من العوامل التي ساهمت في ذلك يمكن استنتاجها من خلال المتابعات الإعلامية، من مثل ضغوط اللوبي الصهيوني على كل المستويات، والخوف من الملاحقات بتهمة معاداة السامية، وتزييف التاريخ، وإضفاء قيادات الاحتلال صبغة دينية على هذه القضية، وترويج المظلومية ولعب دور الضحية عبر استغلال حادث المحرقة النازية غير المؤكد. على سبيل المثال، لا يسع القارئ سوى التعاطف مع الكيان الصهيوني بعد تصريحات رئيسة وزراء الاحتلال السابقة “جولدا مائير” ذات الأصول الأوكرانية، وفيها: “يمكننا أن نسامح العرب على قتلهم لأطفالنا، ولكن لا يمكننا أن نصفح عنهم لإجبارهم إيانا على قتل أطفالهم”. في قلب متعمد للحقائق والظهور بمظهر الضعيف الباحث عن الأمان والسلام.
لكنها نفسها أيضًا أعربت في تناقض واضح، عن أملها في الاستيقاظ من النوم وقد اختفى كل أطفال فلسطين من الوجود. من ثم فإن ما يحدث حاليًا من استهداف الأطفال في غزة إنما هو انعكاس للقناعات المترسخة في عقول الصهاينة.
هذه اللعبة الخبيثة التي تعلموها من “جوزيف غوبلز” وزير الدعاية النازي، الذي ذكر في موسوعة الهولوكوست الصادرة باللغة العربية، الأسس التي قامت عليها الدعاية ضد اليهود، وهى: نشر الصور والأفكار السلبية عن اليهود في المجلات والأفلام والرسوم المتحركة ووسائل الإعلام الأخرى.
جعل أجهزة الراديو في متناول الألمان للاستماع إلى تلك الأفكار. إزالة بعض الكتب المدرسية بهدف تعليم الطلاب طاعة الحزب النازي وكراهية اليهود.
حرق الكتب والتضييق على المؤلفين اليهود. استخدام الأفلام وسيلة لإظهار التأييد المزيف للنازية عبر أطفال مبتسمة وحشود تهتف مثل “فيلم انتصار الإرادة” المنتج عام 1935. والناظر إلى هذه الأسس والمتتبع للإعلام الغربي والصهيوني يجد الأمر يتكرر بصور أكثر انتشارًا وضراوة ضد الفلسطينيين ومقاومتهم ضد الاحتلال
وبالنسبة لما ذكروه عن استخدام الأفلام، نذكر هنا أحدث الأفلام المنتجة هذا العام قبل “طوفان الأقصى” عن السيرة الذاتية لرئيسة الوزراء الصهيونية وقت حرب أكتوبر 1973م “جولدا مائير” والذي تعمد إظهارها في صورة مسالمة وأنها فرضت عليها الحرب من جانب المصريين، معتمدين في ذلك على مجموعة من الأدوات منها زوايا التصوير والإضاءة وتعابير الوجه وانتقاء العبارات… إلى غير ذلك من صور مضللة لواحدة أعطت الإذن بقصف مدرسة بحر البقر في محافظة الشرقية المصرية التي تضم أطفالًا بزعم وجود مستودعات للأسلحة تابعة للجيش بها… وما أشبه البارحة باليوم! ختامًا فإن دور الإعلام في غاية الخطورة في حال توظيفه لصالح أطراف معينة في الصراعات، فهو إلى جانب ابتعاده عن نقل الحقائق، يعطي تلك الأطراف ضوءًا أخضرًا لمواصلة انتهاكاتهم للقانون الدولي ويصبح العالم غابة حقيقية لا يحترم فيها الإنسان ويستهان بحياته، كما تضلل الرأي العام العالمي لصالح تلك الأطراف، والذي على مدار سنوات يصبح ذلك عبثًا تاريخيًّا يطمس حقوق الشعوب وإرادتها الحرة
.