ها هى العشر الأواخر أقبلت.. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى، مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
العشر الأواخر من رمضان هي أفضل أيام شهر رمضان، ولهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخصها بمزيد عناية واجتهاد مختلف عن سائر العام فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيره.
رَوَاهُ مُسلم
وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا ليله وَأَيْقَظَ أَهله.
متفق عليه
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفك عن الأعمال الصالحة في كل أوقاته، من صلاة، وصدقة، وصيام، وقيام، وجهاد، وتلاوة للقرآن، ودعاء، وذكر لله تعالى، ودعوة إلى الله سبحانه، وتعليم للناس، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وإحسان إلى الخلق جميعًا، وغيرها من أنواع العبادات، فكيف باجتهاده في هذه العشر !
فكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلمَ إذا أقبلت العشر أنه يشد المئزر، وهو كناية عن الاجتهاد في الطاعة وعلو الهمة في الإقبال عليها وحسن أدائها، أو هو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع، وكلا المعنيين صحيح، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف كل عام، والجماع من مبطلات الاعتكاف، فكان النبي صلى الله عليه وسلمَ يعتزل أهله ما دام معتكِفًا
وكان يجتهد في الطاعة في تلك العشر، كما في حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عند مسلم أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان :
إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ .
فقولها: في الحديث المتقدم: “يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ”، وقولها هنا: “وَجَدَّ”، يدلان على اجتهاده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العشر الأواخر.
ومن اجتهاده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تلك العشر ما بينته أُمُنَّا عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا من أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحيي ليله بالصلاة، وتلاوة القرآن، والدعاء، والذكر، وغيرها من الطاعات.
ومن ذلك أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يقتصر في الأمر على نفسه الطيبة بل كان يوقظ أهله للعبادة، ولينالوا نصيبًا من الخير في تلك الليالي المباركة، فهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير الناس لأهله، وخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ.
أخرجه الترمذي
وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير راعٍ لأهله وأمته وكلُّكُمْ راعٍ وكلكُمْ مسؤولٌ عَن رعيتِه.
متفق عليه
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي.
وفي حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة، وهذا يدل على انه يتأكد إيقاظهم في آكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر .
وخَرَّجَ الطبرانيُّ من حديث عليٍّ:
أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يوقظُ أهله في العشر الأواخر من رمضان، وكلّ صغير وكبير يطيق الصلاة.
قال سفيان الثوري: أَحَبُّ إليَّ إذا دَخَلَ العشرُ الأواخرُ أن يتهجدَ بالليل، ويجتهدَ فيه، وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك، وقد صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطرق فاطمةَ وعليًا ليلاً فيقولُ لهما:
ألا تقومان فتصليان، وكان يوقظ عائشةَ بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر.
وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء في وجهه، وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية:
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}
سورة طه
واتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ مُضَاعَفَةِ الْجَهْدِ فِي الطَّاعَاتِ فِي الْعَشْرِ الأْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، بِالْقِيَامِ فِي لَيَالِيهَا، وَالإْكْثَارِ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَمُدَارَسَتِهِ، بِأَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ، أَوْ يَقْرَأَ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ، وَزِيَادَةِ فِعْل الْمَعْرُوفِ وَعَمَل الْخَيْرِ، وَذَلِكَ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَل الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْل، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأْوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ.
قَال الْعُلَمَاءُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُل أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى عِيَالِهِ، وَأَنْ يُحْسِنَ إِلَى أَرْحَامِهِ وَإِلَى جِيرَانِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلاَ سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الأْوَاخِرِ مِنْهُ.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخصها بالاعتكاف طلبًا لليلة القدر.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بعده.
متفق عليه