«الإسراء والمعراج منحة بعد محنة».. بقلم فضيلة الدكتور/ عبد الرحمن سرحان عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف

الحمدلله رب العالمين ، الحمدلله القائل في محكم التنزيل بقوله: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل من صلى وزكَّى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا؛ أما بعد:
نعلمُ جميعًا أنَّ الرسولَ ﷺ أُوذِيَ إيذاءً شديدًا مِن أهلِ مكةَ والطائفِ، وبعدَ هذه الأجواءِ الكالحةِ، والظروفِ الحرجةِ، يمُنُّ اللهُ عليهِ ﷺ برحلةِ الإسراءِ المعراجِ، رحلةٍ تاريخيةٍ لم ينلْ شرفَهَا قبلَهُ نبيٌّ مرسلٌ ولا ملَكٌ مقربٌ، هي رحلةٌ مباركةٌ طيبةٌ، بدأتْ بأقدسِ بقاعِ الأرضِ، وانتهتْ بأعلَى طبقاتِ السماءِ، وكأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أرادَ أنْ يقولَ لحبيبهِ ﷺ: يا محمدٌ إذا كانَ أهلُ مكةَ آذوكَ وطردوكَ، فإنَّ ربَّ البريةِ لزيارتِهِ يدعوكَ!!
فكانتْ رحلةُ الإسراءِ والمعراجِ، وبعدَ المحنِ تأتِي المنحُ، وبعدَ الشدةِ يأتي الفرجُ، وبعدَ العسرِ يأتي اليسرُ!!
يا محمدٌ: لا تظنّ بأنَّ جفاءَ أهلِ الأرضِ يعنِى جفاءَ أهلِ السماءِ!! يا محمدٌ: إنَّ اللهَ يدعوكَ اليومَ ليعوضكَ بجفاءِ أهلِ الأرضِ حفاوةَ أهلِ السماءِ!! حيثُ تبدأُ تلك الرحلةُ الأرضيةُ السماويةُ، وهذا هو الفرجُ العظيمُ الذى أزالَ عن النبيِّ ﷺ كلَّ همٍّ وغمٍّ مرَّ بهِ وأزاحَ عنهُ كلَّ أذَى أصابَهُ، فأيُّ خيرٍ وفضلٍ وشرفٍ وتكريمٍ مِن أنْ يكونَ الحبيبُ ضيفًا على الكريمِ.؟!!
فكلَّ واحدٍ منَّا يمرُّ بشدائدَ ومحنٍ، شدائدَ متنوعةٍ ومتفرقةٍ ومختلفةٍ، فمنكُم مَن يمرُّ بشدةٍ اجتماعيةٍ، وآخرُ يمرُّ بشدةٍ اقتصاديةٍ، وثالثٌ يمرُّ بشدةٍ نفسيةٍ، ورابعٌ يمرُّ بشدةٍ مرضيةٍ ……إلخ. كلُّ هذه الشدائدِ والمحنِ بعدَهَا فرجٌ قريبٌ، فبعدَ الجوعِ شبعٌ، وبعدَ الظمأِ ريٌّ، وبعدَ السهرِ نومٌ، وبعدَ المرضِ عافيةٌ، سوفَ يصلُ الغائبُ، ويهتدِي الضالُّ، ويُفكُّ العانِي، وينقشعُ الظلامُ {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } (المائدة: 52).
فإذَا داهمتْكَ داهيةٌ فانظرْ في الجانبِ المشرقِ منهَا، وإذا ناولَكَ أحدُهُم كوبَ ليمونٍ فأضفْ إليهِ حفنةً مِن سكرٍ، وإذا أهدَى لكَ ثعبانًا فخذْ جلدَهُ الثمينَ واتركْ باقيَهُ، وإذا لدغتْكَ عقربٌ فاعلمْ أنّهُ مصلٌ واقِ ومناعةٌ حصينةٌ ضدَّ سمِّ الحياتِ، تكيفْ في ظرفِكَ القاسِي، لتخرجَ لنَا منهُ زهرًا ووردًا وياسمينًا، {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19).
نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ همومَنَا وغمومَنَا وكروبَنَا، وكل عام وانتم بخير.

زر الذهاب إلى الأعلى