شَعْبَان شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ

بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

مدرس القرآن الكريم بالازهر الشريف

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». رواه النسائي

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله معلقًا على حديث أسامة: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه. وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام، وليس كذلك. انتهى.
وبين النبي صلى الله عليه وسلمَ أن لشهر شعبان فضل يغتنم، ففيه ترفع أعمال العباد إلى رب العالمين، وكان النبي صلى الله عليه وسلمَ يصوم فيه لأنه يحب أن يرفع عمله وهو صائم.

وفيه: دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل.

ولهذا جاءت بعض الأحاديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبين فضائل شهر شعبان، ومن ذلك:

1- في شهر شعبان ترفع الأعمال إلى رب العالمين سبحانه وتعالى: كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ .

وهذا هو الرفع الحولي السنوي للأعمال والله أعلم.

2- في شهر شعبان يطلع الرب جل وعلا إلى جميع خلقه ويغفر لهم إلا المشرك والمشاحن:
فعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه قال:
يطَّلعُ الله إلى جَميعِ خَلْقهِ ليلةَ النصْفِ مِنْ شَعْبانَ، فيغْفِرُ لجميعِ خَلْقِه إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشاحِنِ .

رواه الطبراني في الأوسط، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي

3- أنه الشهر الذي يسبق رمضان، كما في الحديث:

ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ .

فيستعد المسلم ويتهيء بالطاعة، للتزود منها أكثر في رمضان، فيؤهل المسلم نفسه في شعبان ويدربها على فضائل الأعمال، ليتمكن من الإكثار منها في شهر رمضان.

4- مشروعية الإكثار فيه من الصيام: كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ.

5- شهر شعبان شهر يغفل الناس عنه، والعبادة وقت الغفلة لها أجر وفضل يختلف عن غيره، كما في الحديث: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ ومن ذلك:
6- العبادة وقت انشغال الناس، وفي وقت الفتن والاقتتال:

فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ .
رَوَاهُ مُسلم

7- ذكر الله تعالى في السوق حيث الانشغال بالبيع والشراء:
فَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفَ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفَ سَيِّئَةٍ وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفَ دَرَجَةٍ وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ .

رَوَاهُ أحمد والتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ

8- الذكر بعد صلاة الفجر وحتى تطلع الشمس، حيث ينشغل الناس بالذهاب إلى أعمالهم والسعي على أرزاقهم، ومن بعد العصر إلى غروب الشمس:

فَعَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَة .

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

وَعَنْهُ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ». قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ.

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

زر الذهاب إلى الأعلى