خلال الاحتفالات بميلاد النبي ﷺ: الاختلاط غير المنضبط المخل بالآداب والقيم بين الرجال والنساء محرم شرعا.. والاختلاط المنضبط جائز شرعا

في إطار احتفاء الجامع الأزهر الشريف بذكرى المولد النبوي الشريف، وتحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ. د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، واصل الجامع عقد أمسياته الدينية، حيث أقام أمس الأربعاء أمسية جديدة تحت عنوان «النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ الأعراض»، حاضر فيها الدكتور أيمن الحجار، الباحث بهيئة كبار العلماء، وقدمها الدكتور فؤاد حسان، المذيع بإذاعة القرآن الكريم.

أكد الدكتور أيمن الحجار، أن العرض أثمن ما يملكه الإنسان، فهو عنوان لكرامته وشرفه، لهذا السبب، خصّ الله سبحانه وتعالى بني آدم بالتكريم، كما جاء في قوله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ”، وهذا التكريم الإلهي يحمل في طياته شروطًا ومقومات ليحظى الإنسان بالرفعة والكرامة الكاملة، كما لا تكتمل إنسانية الفرد إلا عندما يكون عرضه مصونًا مكرما بالتزامه بالآداب وعدم جموح غريزته، ويكون في الوقت نفسه حاميًا لأعراض الآخرين، وتتجلى عظمة الشريعة الإسلامية في اهتمامها البالغ بصيانة الأعرض، من خلال ما يعرف بـ الضرورات الخمس (أو الكليات الخمس)، حيث هذه الضروريات هي الأهداف الأساسية للدين والتي لا يستقيم المجتمع بدونها، ولعل الترتيب الذي وردت به هذه الضروريات يحمل دلالات عميقة: فجاء أولًا حفظ الدين: والذي هو الأساس الذي يبنى عليه كل شيء، فبدونه يفقد الإنسان بوصلته الأخلاقية، ثم بعد ذلك جاء حفظ النفس مما يؤكد قدسية الحياة وضرورة الحفاظ عليها، ثم جاء حفظ العقل: والذي وبصلاحه يصلح الإنسان في سلوكه وأفعاله، ثم بعد ذلك حفظ المال لأنه وسيلة العيش التي تضمن للإنسان كرامته، ثم جاء آخرها حفظ العرض لكونه النتيجة النهائية لكل ما سبق؛ فإذا صلح دين الإنسان، ونفسه، وعقله، وماله، فسيصان عرضه حتمًا.

وأوضح الدكتور أيمن الحجار، أن حماية العرض لا تقتصر على المسائل الحسية فقط، بل تشمل أيضًا الحفاظ على الأمانة والثقة التي يضعها الناس فينا، فمن يخون الأمانة أو يفشي السر، فإنه يسيء إلى عرض غيره، كما أن الغيبة والنميمة هي أيضًا من صور انتهاك الأعراض، لأنها تشويه لسمعة الناس وكرامتهم، لذلك عندما ننظر في سنة النبي ﷺ نجد أنه أمر بصيانه الأعرض لهدفين الأول: من أجل حمايتها من الأذى، والثاني من باب التربية والهداية للأمة ، مشيرًا إلى أن النبي ﷺ في خطبة الوداع كان من بين وصاياه الهامة لأمته حفظ الأعراض وصيانتها، عندما قال ﷺ: “أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا”، وفي هذا الحديث الشريف ساوى النبي ﷺ بين حرمة الدماء وحرمة الأعراض، مما يدل على عظمتها ومكانتها في الإسلام، مبينا أن صور حماية الأعراض تتنوع في الإسلام، فهي لا تقتصر على “الزنا” الذي حرمه القرآن الكريم حرم الزنا ووصفه بقوله:”إنه كان فاحشة وساء سبيلا”، بل تشمل أيضًا اتهام الناس بما ليس فيهم، كما تشمل التجسس والخوض في أعراض الناس، وهذه من الأمور المنهي عنها في الإسلام.

وأضاف فضيلته، أن النبي ﷺ في بداية دعوته وجد الناس يقعون كثيرا في هذا الأمور، فعمل جاهدًا على تطهير المجتمع من الخوض في الأعراض او تشويه سمعة الآخرين وذلك من خلال أمر إلهي بتطهير النفوس من كل هذه الأمور قال تعالى: “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ”، كما قال أيضًا: “وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها”، وبدأ الأمر بالنظر المحرم، وهو أقل شيء كدليل على بشاعة الأمر، كما أن النظر هو السبب في كثير من الفواحش التي يقع فيها الإنسان.

وبين أن الاختلاط غير المنضبط بالآداب والقيم بين الرجال والنساء يعد امرا غير جائز، ما لم يكن بحدود وآداب وقيم واحترام بين الناس، مع مراعات ضوابطه الشرعية، ويأتي هذا في إطار الحفاظ على كرامة الرجل والمرأة على حد سواء، ومنعًا لما قد يفضي إليه من مشكلات تهدد استقرار المجتمع والأسر، كما حرم الإسلام التبرج، وهو باب من أبواب من أبواب صيانه الأعراض والحفاظ على الأخلاق، قال تعالى ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ﴾، وهو أمر إلهي، مضيفًا أن الإسلام بالغ في صيانه الأعراض من خلال أن جعل الدخول للبيوت بإذن فقال النبي ﷺ: “إنَّما جُعِلَ الاستئذانُ من أجلِ البصرِ”، حتى لا تقع العين على حرمات البيوت، وقال أيضًأ ﷺ: “الاستئذان ثلاثا، فإن أُذن لك وإلا فارجع”

وفي ختام كلمته أوصى الدكتور أيمن الحجار بضرورة غرس قيمة صيانة الأعراض وحمايتها في نفوس أبنائنا، مشيرًا إلى أن النبي ﷺ كان له أسلوب تربوي فريد في توجيه الشباب نحو هذه القيمة، كما يتضح من قصة الشاب الذي طلب من النبي ﷺ الإذن بالزنا، فبدلاً من معاقبته أو زجره، استخدم النبي ﷺ أسلوبًا حواريًا مؤثرًا، حيث سأله: “أترضاه لأمك؟”، “أترضاه لأختك؟”، “أترضاه لعمتك؟”، “أترضاه لخالتك؟”، وفي كل مرة، وكان الشاب يجيب بالنفي القاطع، و كان هدف النبي ﷺ من هذا الحوار هو أن يشعر الشاب بأن ما يرفضه على محارمه هو نفسه ما يرفضه الآخرون على محارمهم، وأن حفظ الأعراض هو واجب على الجميع، ولا يقتصر على أعراضنا فقط، وفي نهاية المطاف، دعا له النبي ﷺ ووضع يده على صدره، وقد كان لأسلوب النبي ﷺ أثر بالغ في نفس الشباب فقال: “لقد دخلت على رسول ﷺ ولا يوجد في نفسي أحب من الزنا وخرجت من عند رسول الله ﷺ وما شيءٌ في الدنيا أكرهه ولا أبغضه أكثر من الزنا”.

في ختام الأمسية، قال الدكتور فؤاد حسان، إن النبي ﷺ وضع أسسًا راسخة لحماية الأعراض وصيانتها، فيقول ﷺ: “كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”، فلم يكتف النبي ﷺ بتحريم سفك الدماء وأخذ الأموال بغير حق، بل جعل “العرض” ثالثًا لهذه المحرمات الكبرى، مما يؤكد القيمة العظيمة التي جعلت النبي ﷺ يجعل المساس به في حرمة سفك الدماء، هذه وتعتبر هذه الضوابط التي وضعها النبي ﷺ هي قاعدة تشريعية تحظر أي قول أو فعل يمس عرض الإنسان وشرفه، سواء باللفظ أو الفعل.

يأتي ذلك وفق توجيهات فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وباعتماد فضيلة أ.د محمد الضويني وكيل الأزهر، عضو مجلس منظمة خريجي الأزهر، وبإشراف أ.د عبد المنعم فؤاد المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، ود. هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.

زر الذهاب إلى الأعلى