لقطة فقهية في فضل البكاء من خشية الله
بقلم الدكتور/ محمد عبد الكريم المدرس المساعد بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر الشريف
قال لزوجته أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة!
هذا ما حدث مع هارون الرشيد وهو في حالة غضب قال لزوجته:” أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة”ثم ندم على ما قال, وجمع العلماء للفتوى.
ولكن قال له العلماء: ومن يجرؤ منا أن يفتيك أنك من أهل الجنة لقد أصابت زوجتك.
فأغتم هارون الرشيد فقال لأتباعه: ألم يبقى عالم في بغداد كلها؟!!!
قالوا: هنالك عالم واحد اعتزل الناس منذ زمن اسمه” الليث بن سعد” وكان الليث أحد أشهر الفقهاء في زمانه، وهو من مصر فاق في علمه وفقهه الإمام “مالك “ولكن تلاميذه لم يحتفظوا بعلمه وفقهه مثلما فعل تلامذة الإمام مالك، ويدل على ذلك قول الإمام الشافعي:”الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به”
قال هارون الرشيد: أحضروا الليث بن سعد.
فلما أحضروه جمع هارون طائفة من العلماء ثم عرض عليه المسألة في حضورهم.
فنظر الليث في وجه هارون الرشيد ثم نظر في وجه العلماء وقال: يا امير المؤمنين أريد أن اخلوا معك فأنصرف الجمع من المجلس.
قال له الليث: ضع يدك يا أمير المؤمنين على كتاب الله، وأقسم بأنك ستصدقني لا تكذب، فأقسم هارون الرشيد
فقال: يا أمير المؤمنين أما والله، لم استحلفك تهمة لك فإني أعلم أنك صادق الكلم، ولكني أحببت أن لا تخدعك نفسك.
استحلفك بالله يا أمير المؤمنين هل ذكرت الله يوما خاليا ليس عندك أحد، ولم تذكر في نفسك غير الله أحد، فذرفت عينك الدمع على لحيتك.
قال هارون : وحق منزل هذا الكتاب لقد كان ذلك مِراراً
قال الليث : افتح كتاب الله على سورة الرحمن، ففتح
قال: اقرأ قوله تعالى: “وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ”
فأبشر بدل الجنة جنتين، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا يَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ… “.رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
قال الليث : فليدخل العلماء الآن ، فدخلوا.
قال الليث لهم : أما والله لم اصرفكم استخفافًا بكم ولكن أحببت أن أخلو بأمير المؤمنين حتى لا تدخل عليه نفسه.
فأجمع العلماء على قول الليث بن سعد في فتواه.
– فما أجمل البكاء من خشية الله، ولذلك كان يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : “لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار”، وروى عن النبي ﷺ أنه قال: سبعةٌ يُظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظله، ذكر منهم رجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، فما أجمل البكاء من خشية الله، وكيفية هذا تكون بالتَّدبر، وتذكر الآخرة، وتذكر موقف الحساب يوم القيامة، وتذكر الجنة والنار، كل هذه أسباب لخشية الله، والبكاء من خشيته.