وحدة الأراضي الليبية واستقلالها

بقلم / أنس عبد السلام ـ طالب بكلية طب أسنان الأزهر ـ ليبيا

الوطن في الإسلام هو الأرض التي تقطنها مجموعة من البشر، فتصبح مقرا لمعيشتهم ومستقراً لأهليهم وذريتهم من بعدهم، زيصير واجباً عليهم جميعاً إعمارها وحمايتها.

 وقد أعلى الإسلام من شأن الأوطان باعتبارها قيمة مهمة في حد ذاتها، كما أنها الهوية المعبرة عن الإنسان، فالحب والانتماء والولاء للوطن واجب، ومن يتلاعب بتلك المفاهيم يعد خائنا في عرف الشرع والقانون.

وإن تعاون وتكاتف أبناء الوطن الواحد هو السبيل الوحيد لنهوضه، ولقد قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، وإنَّ أغلى وأثمن ما يمتلكه المسلم بعد دينِه هو الوطن، وما مِن إنسان سليم الفطرة إلاَّ ويعتز بوطنه، موطنه وموطن آبائه وأَجداده من قبله، ومأوى أَبنائه وأَحفَادهِ من بعده.

ولعل فكرة الطائفية والانتماء تتوسع يوما بعد يوم بين المسلمين خصوصا أمام أحداث الفتن الراهنة التي تشهدها كثير من البلدان الإسلامية، ومن بينها ليبيا.

إن المسلم لا ينبغي أن يكون داعيا لعصبية أو حزبية، بل ينبغي أن يرعى مصالح وطنه ككل واحد لا يتجزأ، وأن يحافظ على هذا الكل، على سلامته وقوته ووحدته، وأن يتصدى لكل من يدعو إلى تقسيمه أو تمزيقه، وهذا هو السبيل اليوم للحفاظ على أرض ليبيا ووحدتها وسلامتها واستقلالها.

ولقد حرص الإسلام على مراعاة حب الإنسان وطنه وحنينه إليه، لموافاة دواعي الفطرة المجبولة عليها الخليقة، وللمحافظة على بقاء الإنسان واتصاله ببني أُرومته، فكان هذا الحب من نواميس الخلقة، لأن في البقاء عمارة الكون، فكل ما تشعر النفس بالحاجة إليه في بقائها فهو حبيب إليها، فالإنسان من طفولته يحب بيته، وأهل بيته، لما يرى من حاجته إليهم واستمداد بقائه منهم، وما البيت إلا الوطن الصغير.

يقول ابن عاشور: إن للمرء حقا في وطنه ومعاشرة قومه، وهذا الحق ثابت بالفطرة، لأن من الفطرة أن الناشئ في أرض والمتولد بين قوم هو مساو لجميع أهل ذلك الموطن في حق القرار في وطنهم .. قال عمر بن الخطاب: “إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام”. ولا يزول ذلك الحق إلا بموجب.

وكان من أصرح الأدلة على هذا: حب النبي صلى الله عليه وسلم لمكة المكرمة، ثم دعوته بأن تحبب إليه المدينة نحو حبه لمكة أو أشد، وأمر النبي بني سلمة حين أرادوا الانتقال إلى جوار المسجد، بقوله: «يَا بني سَلَمَة، ديارَكم تكتب آثاركم»!

فالوطن له اعتباره في الإسلام لا يجوز هدره، ينسب إلى أهله بحكم السكنى والإقامة أو النزول، ويعترف الإسلام لأصحابه بإعماره والإشفاق عليه والدفاع عنه.

وقد أحاط النبي صلى الله عليه وسلم أمته بما يقوي وحدتهم، ويبعد عنهم أسباب الاختلاف، وكان كلما بدا مظهر من مظاهر التحزب أو العصبية استأصله رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم بما يحقق وحدتهم، ويؤلف بين قلوبهم، ويجمع كلمتهم، ويقول لهم:« لا تختلفوا فتختلف قلوبكم». وبرأ الله تعالى رسولنا صلى الله عليه وسلم من كل فئة أو طائفة تسعى للتفريق بين الناس باسم الدين، فقال عز وجل: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء﴾.

إن الاتحاد من أعظم النعم أثرا، وما تمسك مجتمع باتحاده ووحدة صفه إلا قويت شوكته، وظهرت عزته، وبدا سلطانه، وعظمت سيادته، ودامت دولته، وازدهرت حضارته، ولذلك أمرنا الله تعالى بالاتحاد فقال عز وجل: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾، وإن وحدة الصف والاتحاد والتعاون قد أمر الله تعالى بها الأمم من قبلنا، وحذرنا سبحانه أن يصيبنا مثل ما أصاب من افترق واختلف منهم، فقال سبحانه: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم﴾، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله المؤمنين باتحاد كلمتهم، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالخصومات.

زر الذهاب إلى الأعلى