الإسلام دين السلام

بقلم الدكتور / السيد إبراهيم محمد سرور

معلم بمنطقة كفر الشيخ الأزهرية ـ وعضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر

إن السلام شعار ونظام يجعل البشرية في أمن وأمان وطمأنينة واستقرار ويجعل المجتمع البشري متميزا عن مجتمع الغابة ، فإذا كان قانون الغابة هو البقاء للأقوى فإن قانون المجتمع البشري  هو: –

 المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده كما قال سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فديننا الإسلامي هو دين التسامح والمحبة والسلام، وهو عقيدة قوية تضم جميع الفضائل الاجتماعية والمحاسن الإنسانية، والسلام مبدأ من المبادئ التي قوى الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، وأصبحت جزءاً من كيانهم، والسلام غاية الإسلام في الأرض.

 أيها الأخوة الكرام

 إن الإسلام والسلام يجتمعان في توفير السكينة والطمأنينة وإذا نظرنا وجدنا أن كلمة الاسلام والسلام تجتمعان في نفس حروف السلم، وذلك يعكس تناسب المبدأ والمنهج والحكم والموضوع وقد جعل الله السلام تحية المسلم، بحيث لا ينبغي أن يتكلم الإنسان المسلم مع آخر قبل أن يبدأ بكلمة السلام، حيث قال تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً

وقال تعالى

وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا

فإلقاء السلام ينشر الأمن والأمان والسلام بين الناس والمجتمعات.

ومما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء سلاماً ورحمةً للبشرية ولإنقاذها وإخراجها من الظلمات الى النور حتى يصل بالناس جميعاً إلى أعلى مراتب الأخلاق الإنسانية في كل تعاملاتهم في الحياة.

ومن المعروف أن العالم بأسره قد شهد حروبا كثيرة في زمن نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل بعثته، فكانت القبائل العربية تتقاتل فيما بينها أو مع القبائل الأخرى بسبب أو من دون سبب، وقد جاء الاسلام الحنيف ليخرج الناس من هذه الحياة السيئة والصعبة وينقلهم الى حيث الأمن والامان والسكينة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا على إبعاد الناس تماما عن الحروب وعن كل ما يؤدي إليها، وكان صلى الله عليه وسلم ايضاً يبحث دائما عن الطرق السلمية والهادئة للتعامل مع المخالفين له.

وإنّ من دواعي الأسف أن يركز المؤرخون لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم على موضوع الغزوات ويتخذوه أساسا في بيان حوادث حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد يعطي هذا انطباعاً بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد تحوّل فجأة إلى رجل شديد الجوع للحرب بعد هجرته إلى المدينة وهو ما حاول المؤرخون الغربيون أن يثبتوه فمنهم من قال إنّ تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في مكة ذات مظهر ديني محض رافض للشر غير انّه بمجرد أن هاجر إلى المدينة تحوّل إلى سياسي متعطش للدماء لا يقف شيء في طريقه لبسط سلطانه المطلق وهكذا لم يعد حسب رأيهم نبيّاً، وهذا مخالف للواقع وحقيقة الأمر وذلك لأن

   الرسول صلى الله عليه وسلم كان رؤفا رحيما ويعامل الأسرى معاملة مثالية وقد أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم سراح الكثير والكثير من الأسرى دون قيد أو شرط ومن أكبر الأدلة على ذلك ما حدث بعد أن فتح الله له صلى الله عليه وسلم مكة ودخلها فاتحا منتصرا

وكلنا يعلم ماذا حدث من كفار مكة للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من التعذيب والتنكيل والتهجير فقد لاقى النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الإهانة من الكفار في مكة والطائف، وعندما جمعهم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وقال لهم: ماذا تظنون أني فاعل بكم، فقالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم فقال الرحمة المهداة والنعمة المسداة صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء

فمن فعل ذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم؟

فمن الأنبياء من دعى على قومه مثلما فعل سيدنا نوح عليه السلام، قال تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام:

 وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا
  وكل قادة العالم قديما وحديثا كانوا إذا تمكنوا من أعدائهم فعلوا بهم الأفاعيل ونكلوا بهم أشد تنكيل إلا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم فهل هناك شك بأن الإسلام هو دين السلام والأمان ولينظر كل عاقل من حوله الآن إلى سفراء الأزهر الشريف الذين يجوبون العالم

شرقا وغربا وذلك لنشر تعاليم الدين الإسلامي السمحة وذلك من خلال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها حتى يتمكنوا من معرفة قراءة القرءان وفهم النصوص الدينية بمختلف أحكامها وأنواعها.

  أيها الأخوة الكرام:

 إن السلام بمفهومه السلمي هو أمنية ورغبة أكيدة يتمناها كل إنسان يعيش على هذه الارض، والسلام يشمل أمور المسلمين في جميع مناحي الحياة ويشمل الأفراد والمجتمعات والشعوب والقبائل، فإن وجد السلام انتفت الحروب والضغائن بين الناس، وعمت الراحة والطمأنينة والحريّة والمحبة والمودة بين الشعوب.

وفي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عدة قواعد وأحكام ينبني عليها مفهوم السلام، مما يشكل للمسلمين قانوناً دولياً يسيرون عليه، وهذه القوانين والشروط الواجب توفرها حتى يتحقق السلام تظهر في المساواة بين الشعوب بعضها البعض، فالإسلام يُقرِّر أنَّ الناسَ، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وألوانهم وألسنتهم ينتمون إلى أصلٍ واحدٍ، فهم إخوة في الإنسانية، ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكم لآدمَ، وآدم من ترابٍ، لا فضلَ لعربيٍّ على أَعْجَمِيٍّ إلا بالتقوى

كما أن الوفاء بالعهود، ومنع العدوان، وإيثار السلم على الحرب إلا للضرورة وإقامة العدل والانصاف، ودفع الظلم، من القواعد الأساسية لتحقيق السلام بين الشعوب والمجتمعات، فلا يعتدي أحدٌ على حق أحدٍ، ولا يظلم أحدٌ أحدًا، فالإسلام يسعى دائما الى استقرار الأمة الاسلامية، كما يسعى الى استقرار علاقات المسلمين بالأمم الاخرى.

إن أثر الإسلام في تحقيق السلام العالمي يتجلى في تقوية التعايش السلمي ونشر التراحم بين الناس ونبذ العنف والتطرف بكل صوره ومظاهره، وكذلك في نشر ثقافة الحوار الهادف بين أتباع الأديان والثقافات لمواجهة المشكلات وتحقيق السلام بين مكونات المجتمعات الإنسانية وتعزيز جهود المؤسسات الدينية والثقافية في ذلك.

 إن السلام العالمي له شأنٌ عظيمٌ في الاسلام، فلم يكان أمراً شخصياً ولا هدفاً قومياً أو وطنياً بل كان عالميا وشموليا، فالسلام هو الأصل الذي يجب أن يسود العلاقات بين الناس جميعاً، فالمولى عز وجل عندما خلق البشر ولم يخلقهم ليتعادوا أو يتناحروا ويستعبد بعضهم بعضاً، وإنما خلقهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويعين بعضهم بعضا، فالإسلام يدعو الى استقرار المسلمين واستقرار غيرهم ممن يعيشون على هذه الارض، ويكشف لنا التاريخ أن جميع الحضارات كانت مشتاقة إلى تحقيق السلام العالمي.

 أيها الأخوة الكرام

 إن السلام ضرورة حضارية طرحها الإسلام منذ قرون عديدة من الزمن باعتباره ضرورة لكل مناحي الحياة البشرية ابتداء من الفرد وانتهاءً بالعالم أجمع فبه يتأسس ويتطور المجتمع.

وقد حان الوقت لنقف على أعتبات المجتمع الدولي ونقود أجيالنا إلى لغة الحوار ونصرخ بصوت عال لا للحروب لا للإرهاب لا للقتل لا للدمار ولا للعنف.

فكرة الإسلام كوّنت فكرة السلام والأمان وترسّخت به لتصبح فكرةً أصيلة وعميقة، تشمل جميع جوانبه ما في الكون من  إنسان وحيوان وغير ذلك، بحيث تجتمع عقيدة الإسلام وشرائعه على السلام والدعوة الحقيقيّة إليه؛ فالسلام جزء لا يتجزأ من الإسلام،  سلوكا وقولا ومن الأمثلة على السلام في الإسلام أنّنا نجد مثلًا في الغزوات عبر التاريخ أو ما يمكن تسميته بالفتوحات الإسلاميّة أنّ أوّل مهمات هذه الغزوة الحفاظ على البيئة وعدم الدعوة إلى قطع الشجر مثلًا، وعدم التعرّض إلى كبار السن، وعدم التعرض للنساء والأطفال، وأيضًا عدم التعرّض للمتعبّدين، وهنا برهان ودليل على فكرة التطبيق السلوكي من خلال التّعامل به وتطبيقه، وننوّه إلى أن الإسلام يُنكر دائمًا حروب الاستعمار والاستبعاد، ويعتبر الإسلام أنَّ الكون وأفراده على شكل أسرة كاملة فيما بينهم، وإلى هذا  يدعو الإسلام ويسعى دائمًا إلى ترسيخه وتطبيقه. فالسلم والحرب قاعِدة مُهمّة وراسخة في الإسلام، الهدف الأساسي من السلم هو تأمين البشريّة من الخوف ونشر الخير بينهم، وتطبيق العدل المُطلق في الأرض، ولقد أمر الله تعالى أن تسلك الدعوة، ويُقيمها سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلم ويستعمل الجدل بالحسنى والإقناع بالحجّة والدليل في غير قسوة وغلظة، وهذا يتّضح بقوله تعالى “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ “، وهنا نجد أنّ الإسلام دين السلام، وهذا فعلًا ما وجدناه خلال دعوته وبهذا العرض المختصر يتبين بحق وقوة بأن الإسلام هو دين السلام والآمان .

  هذا قليل من كثير ولكن لضيق المقام أكتفي بهذا العرض على موعد بلقاء آخر إن شاء الله تعالى.

هذا وبالله التوفيق والهداية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زر الذهاب إلى الأعلى