حقوق المرأة في ميزان الشرع

بقلم / فضيلة الشيخ حسن عبد ـ البصير نائب رئيس فرع المنظمة العالمية لخريجي الأزهرـ وكيل وزارة أوقاف مطروح

 1856 خرج آلاف النساء للاحتجاج بمدينة نيويورك على الظروف اللاإنسانية التي أجبرن على العمل تحتها ، تدخلت الشرطة بوحشية وفضت التظاهرة إلا أن المسيرة أجبرت الساسة على النظر لمشكلة المرأة العاملة وأصبحت حاضرة على جداول الأعمال اليومية . وفي 8 مارس 1908م عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار “خبز وورود”. ورفعت مطالبها   بتخفيض ساعات العمل، ووقف تشغيل الأطفال ، ومنح النساء حق الاقتراع.

شكلت مُظاهرات الخبز والورود بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة خصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب، وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم المرأة الأمريكية تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909 وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة وقد تبنى اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة.

غير أن تخصيص يوم الثامن من مارس كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا بعد سنوات طويلة من ذلك، لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس، وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن

ولعل القاريء لما سلف يعرف أن المرأة في الغرب تعرضت لظلم كبير في إجبارها على العمل لساعات طويلة وفي أعمال شاقة ودون أجر كامل علاوة على ما كان يكتنف العمل من مضايقات معروفة للجميع قد أظهرتها بعض أفلامهم المشهورة

ولو رجعنا لديننا الإسلامي الحنيف فسوف نجد تكريما للمرأة غير محدود

فساوى بين الرجل والمرأة في تحمل أعباء الحياة قال صلى الله عليه وسلم ( إنما النساء شقائق الرجال )

كما أن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في التكليف وما يترتب عليه من جزاء ” وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ” النساء (124) قال صلى الله عليه وسلم ” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا “

وحمل المرأة كما الرجل مسؤلية إصلاح المجتمع ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “(71)

وجعل أعراض النساء مصانة والتعدي عليهن باللفظ المسيء له عقوبة رادعة “

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) فمن تحدث في عرض امرأة دون دليل قاطع وشهود إثبات جُلد ظهره وفقد أهليته فلا تقبل شهادته وهذا احتراز كبير وتكريم للمرأة جليل

والإسلام كرم المراة فلا تتزوج إلا برضاها وزواج يليق بها فقد حرم نكاح الرهط

وحرم نكاح الاستبضاع ونكاح البغايا ونكاح البدل وهي أنكحة تهين المرأة وتحط من قدرها عن أمنا عائشة رضي الله عنها

أنَّ النِّكَاحَ في الجَاهِلِيَّةِ كانَ علَى أرْبَعَةِ أنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ منها نِكَاحُ النَّاسِ اليَومَ: يَخْطُبُ الرَّجُلُ إلى الرَّجُلِ ولِيَّتَهُ أوِ ابْنَتَهُ، فيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا، ونِكَاحٌ آخَرُ: كانَ الرَّجُلُ يقولُ لِامْرَأَتِهِ إذَا طَهُرَتْ مِن طَمْثِهَا: أرْسِلِي إلى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي منه، ويَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا ولَا يَمَسُّهَا أبَدًا، حتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِن ذلكَ الرَّجُلِ الذي تَسْتَبْضِعُ منه، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أصَابَهَا زَوْجُهَا إذَا أحَبَّ، وإنَّما يَفْعَلُ ذلكَ رَغْبَةً في نَجَابَةِ الوَلَدِ، فَكانَ هذا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ. ونِكَاحٌ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ ما دُونَ العَشَرَةِ، فَيَدْخُلُونَ علَى المَرْأَةِ، كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ ووَضَعَتْ، ومَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أرْسَلَتْ إليهِم، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ منهمْ أنْ يَمْتَنِعَ، حتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لهمْ: قدْ عَرَفْتُمُ الذي كانَ مِن أمْرِكُمْ وقدْ ولَدْتُ، فَهو ابنُكَ يا فُلَانُ، تُسَمِّي مَن أحَبَّتْ باسْمِهِ فَيَلْحَقُ به ولَدُهَا، لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَمْتَنِعَ به الرَّجُلُ، ونِكَاحُ الرَّابِعِ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الكَثِيرُ، فَيَدْخُلُونَ علَى المَرْأَةِ، لا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وهُنَّ البَغَايَا، كُنَّ يَنْصِبْنَ علَى أبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فمَن أرَادَهُنَّ دَخَلَ عليهنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إحْدَاهُنَّ ووَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا، ودَعَوْا لهمُ القَافَةَ، ثُمَّ ألْحَقُوا ولَدَهَا بالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ به، ودُعِيَ ابْنَهُ، لا يَمْتَنِعُ مِن ذلكَ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحَقِّ، هَدَمَ نِكَاحَ الجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إلَّا نِكَاحَ النَّاسِ اليَومَ.

حق العمل للمرأة

أعطى الإسلام للمرأة حق الاكتساب بشروط الحشمة والوقار وهذا من أربعة عشر قرنا ولم يكن لها هذا الحق في الغرب إلا حديثا وبعد جهاد مرير

” لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ” 32

حق التعليم

والإسلام كفل للمرأة حق التعلم وشجعها على ذلك بل وأوجب عليه التعلم وخصص لهن النبي درسا علميا استجابة لطلبهن ” قالتِ النِّسَاءُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِن نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وأَمَرَهُنَّ، فَكانَ فِيما قَالَ لهنَّ: ما مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِن ولَدِهَا، إلَّا كانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ: واثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: واثْنَتَيْنِ. “

واشتهر من أمهات المؤمنين والصحابيات بالعلم الكثير منهن الصديقة عائشة وحفصة وأم الدرداء رضي الله عنهن

كذا التاريخ الإسلامي زاخر بالفضليات من أولى العلم كالشفاء بنت عبد الله ولاها عمر الفاروق الحسبة وعمرة بنت عبد الرحمن فقيهة عصرها وممن روى عنها الإمام الزهري والسيدة سكينة بنت السبط الشهيد الفقيهة العالمة قال عنها الأصفهاني ( كانت سكينة عفيفة سليمة برزة من النساء تجالس الأجلَّة من قريش وتجتمع إليها الشعراء )

والسيدة نفيسة رضي الله عنها وأن حبيبة الأصبهانية من شيوخ الحافظ المنذري وغيرهن كثير يزخر التاريخ الإسلامي بذكرهن

حقوق المرأة المالية

يعترف الإسلام بحق المرأة في التملك ولا يسمح بالاعتداء على حقها المالي من لدن قريب لها أو بعيد زوج كان أم أخ .

لها حقها في الميراث شرعا وفي المهر وفي النفقة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن “

لقد تعددت حقوق المرأة في الإسلام بما لا يتسع ذكره في مقال وقد أشرنا لحقها المالي وحقها في العمل والتعلم والمساواة والميراث واختيار الزوج وحرية التصرف في مالها

ونعجب أن الحقوق العاطفية للمرأة نص عليها القرآن الكريم  “نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)

وحرم حرمانها من حقها العاطفي وجعل له أخدت إما أن يعود الرجال عن الإضرار بها أو وجب أن يطلقها ” للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم 226 وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ” 227

كما نهى الإسلام عن عضل المرأة ومنعها من الزواج والتضييق عليها ظلما وعدوانا

 قال تعالى ” وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” (232) كما حارب عضل الجاهلية وجعل المرأة ميراثا ومتاعا

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ” 19)

وبعد أن كانت الأنثى من البشريات التي تحمل شؤم الطالع ” وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ” 58)

أصبح تربيتها سببا لدخول الجنة

قال رسول الله ﷺ: من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن كن له حجابًا من النار “

” مَن عالَ ابنتينِ أو ثلاثًا ، أو أختينِ أو ثلاثًا حتَّى يَبِنَّ ، أو يَموتَ عنهنَّ ؛ كنتُ أنا وهوَ في الجنَّةِ كَهاتينِ . وأشار بأُصْبُعيهِ السبَّابةَ والتي تلِيهَا “

إن اليوم العالمي للمرأة بحق هو يوم تنزل الوحي يكرمها ويرفع من شأنها ويعلي من قدرها ويقدمها في الذكر على الذكور ” يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُور “

يوم أن وقف النبي في أعظم تجمع وفي أعظم بقعة يوصي بهن ” فاتقوا اللَّه في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان (بعهد) اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه “

وإني لأرجو أن يصبح الإسلام حاكما في العلاقة بين الرجل والمرأة وتتأخر العادات الظالمة التي تهين المرأة والتي تحسب ظلما على الدين والدين منها  براء

كما أرجو أن نعود لديننا فنراعي حق الرجل والمرأة والطفل والكبير والمعاق تحت عنوان التكامل وألا ننساق تحت دعاوى هدامة ترمي لإنشاء صراع بين الرجل والمرأة على إثره يسقط المجتمع صريعا بالضربة القاضية.

زر الذهاب إلى الأعلى