تصحيح المفاهيم المغلوطة للفكر المتطرف (3).. بقلــــــــــــم لواء/ أحمد العبد الأزهرى

استمرارًا لتصحيح مفاهيم أصحاب الفكر الجهادي والمتطرف، الذين استندوا إلى فتاوى تبيح وتجيز أعمالهم، باستخدامبعض الأدلة الشرعية والأحاديث النبوية بمعناها العام؛ففهموها فهمًا مغلوطًا، وقد أدى سوء فهمهم إلىاستباحة أعمالهم، لذا وجب علينا مناقشتها وبيان الفهم المنحرف لهذه الأدلة وتصحيحها.

 وفى ضوء ماتبين فى الحديثين السابقين:«أُمرت أن أقاتل الناس»، و«أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر»، نعرض فى المقالة الثالثة حديث:«لقد جئتكم بالذبح»..

عن عبدالله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنهما-

قال: ماعلمت قريشًا هموا بقتل النبي- صلى الله عليه وسلم- إلا يومًا، فجاء أبوبكر- رضى الله عنه- فاختطفه ثم رفع صوته، فقال:«أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم»، فقال:«والذي نفسي بيده لقد أرسلني ربي إليكم بالذبح»، قال أبوجهل: «يا محمد ما كنت جهولاً. فقال: وأنت فيهم»، فهذا الحديث فهمه أصحاب الفهم المعوج لتشويه معالم الرحمة والهداية، التي جاءت بها الشريعة الغراء، وقد ادعوا كذبًا أن الدين جاء حربًا على العالم لينتشر تحت ظلال السيوف، والذي يتأمل هذا الحديث من خلال جمع طرقه ورواياته، والنظر في سياق رواياته يدرك خطأ تلك الدعاوى المُضلة، التي انحرفت في فهمه؛ فذهبت لتستدل به على تبرير ما تفعله من سفك للدماء وإزهاق للأرواح،فإن استدلالهم بهذا الحديث على استباحة الذبح مردود؛ لأن لفظ الذبح له معانٍكثيرة، منها الذبح الحقيقي،وهو قطع الحلقوم من باطن عند النصيل، ويستعمل لفظ الذبح مجازًا بمعنى الهلاك؛ حيث حديث القضاء: «من وُلي أن يكون قاضيًا فكأنما ذبح بغير سكين»، ويستعمل مجازًا بمعنى التزكية، حيث حديث: «كل شيء في البحر مذبوح»؛فلفظ الذبح هنا دائر بين الحقيقة والمجاز، ولا نجعل اللفظ مجملًا ومشتركًا بين المعنيين، لوجود قرائن تصرفه إلى المجاز،ولم يرد عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه ذبح أحدًا قط، بل كان- صلى الله عليه وسلم- رحيمًا بقومه، فلم يستأصلهم أو يذبحهم عند تمكنه منهم، ودخوله مكة دخول المنتصر، فكان جوابه عن سؤالهم:«ما تقولون وما تظنون؟» قالوا: نقول: أخ كريم ابن أخ كريم وابن عم حليم رحيم. قال: وقالوا ذلك ثلاثًا، فقال رسول- الله صلى الله عليه وسلم-: أقول كما قال يوسف: «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. قال: فخرجوا كأنما نُشروا من القبور فدخلوا في الإسلام»؛فتحميل لفظ الذبح على حقيقته متعذر، لما سبق من القرائن الصارفة عن المعنى الحقيقي، ويتعين حمله على معناه المجازي من التهديد بالهلاك، ولذا فإن مشايخ قريش فهموا معنى التهديد من هذه الكلمة، وهم يصدقونه في أنفسهم ويكذبونه بألسنتهم، فلم يعنفوه أو يردوا عليه هذه الكلمة، بل عاملوه بلطف بعد هذه الكلمة؛ مما يدل على أن لها وقعًا شديدًا في نفوسهم،ولو سلمنا جدلاً أن المراد بالذبح معناه المعنى الحقيقي فلا يصلح دليلًا على صدق دعواهم.

إن المتأمل في ألفاظ الحديث وسياق رواياته يدرك أنه إنما جاء خاصًا بأشخاص بعينهم؛ فلا يحمل على العموم للناس كافة، ولا يحمل على عموم قريش، وإنما هو إخبار بما سيقع لمجموعة من صناديد قريش ممن آذوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إيذاءً شديدًا، كما يظهر من روايات الحديث؛حيث قال أبوجهل: «يا محمد، ما كنت جهولاً، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت منهم»،وهذا الحديث ورد في باب اشتداد الأذى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مما يدل على أنه ليس من الأصول التي يُؤخذ بها في أحكام الجهاد؛ فكان خطاب النبي- صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء الصناديد، ولم يقصد بقوله هذا عموم المشركين، بل قصد «يا معشر قريش…»، أي رؤساؤهم، إما أن يُحمل المعنى على عموم المشركين؛ فسياق النص لا يحتمله والواقع لا يؤيده، ومما يؤكد أنه أراد بذلك أشخاصًا بعينهم ما جاء في رواية الصحيحين: «اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعدَّ السابع فلم يُحفظ– قال: فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى، في القليب قليب بدر»؛فقوله- عليه الصلاة والسلام- واضح وصريح في أنه يقصد بهم هؤلاء الذين آذوه من رؤساء قريش وصناديدهم فقط، ولا يقصد عموم الناس، ولذلك جاء في الرواية الثانية: أنه لما اطلع على مقتل أبي جهل حمد الله قائلًا:«الحمد لله الذي أنجزني ما وعدني». والخلاصة أن الحديث مرتبط بسبب وروده،كما تفيد نصوص الروايات، وأنه خاص بجماعة معينة من كبار المشركين، اشتد إيذاؤهم بالنبي- صلى الله عليه وسلم- وقد حملت نصوص الروايات أسماءهم؛ فهددهم النبى تهديدًا شديدًا، وزجرهم وتوعدهم بالهلاك، ثم أنجز الله ما وعد به رسوله من إهلاك هؤلاء الجبابرة من المشركين، وقُتلوا جميعًا ودُفنوا بقليب بدر، ووقف النبي- صلى الله عليه وسلم- على القليب يذكرهم بأسمائهم، كما جاء فى الروايات: «ياعقبة، يا شيبة، يا أبا جهل، يا أُمية بن خلف، هل وجدتم ما وعد الله حقًا؛ فقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا».. فقال له عمر:«يا رسول الله كيف تنادى قومًا أصبحوا جيفًا»؛ فقال:«اسكت يا عمر ما أنت بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا ينطقون».

زر الذهاب إلى الأعلى