تصحيح المفاهيم المغلوطة للفكر المتطرف (٤).. بقلم: لواء/ أحمد العبد الأزهرى
استمرارًا لتصحيح مفاهيم أصحاب الفكر الجهادى والمتطرف، الذين استندوا إلى فتاوى تبيح وتجيز أعمالهم باستخدامهم بعض الأدلة الشرعية والأحاديث النبوية بمعناها العام؛ ففهموها فهمًا مغلوطًا، وقد أدى سوء فهمهم إلى استباحة أعمالهم؛ لذا وجب علينا مناقشتها وبيان الفهم المنحرف لهذه الأدلة وتصحيحها.
وفى ضوء ما تبين فى مقالات الأحاديث الثلاثة السابقة: «أُمرت أن أقاتل الناس» و«أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» و«لقد جئتكم بالذبح» نتعرض إلى حديث «بُعثت بالسيف»..
عن عبدالله بن عمر- رضى الله عنهما- أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: «بُعثت بين يدى الساعة بالسيف، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقى تحت ظل رمحى، وجعل الذل والصغار على من خالف أمرى، ومن تشبه بقوم فهو منهم») حديث مسند أحمد رقم 5115).
ظاهر هذا الحديث يفيد بأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- بُعث بالسيف لقتال من لم يؤمن بالله تعالى؛ حتى يدخل فى الإسلام ويعبد الله وحده، وقد تمسك بظاهر هذا الحديث أصحاب الفكر الجهادى المتطرف، لكن المتابع لأحداث السيرة النبوية يجد أن أعداء الدعوة الإسلامية يقيمون العوائق ضد انتشار الإسلام، ويقفون بقوتهم فى وجه الإصلاح، وقد شُرع القتال فى الإسلام لأسباب منطقية: فطرية وحضارية، لا يختلف عليها اثنان فى أى زمان ومكان، وهو قتال من ظلم وطغى وبغى؛ لذا قال الله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (البقرة: 190)، وحديث «بُعثت بالسيف»؛ أى أُمرت وبعُثت بالقتال بالسيف لمن ظلم وطغى وبغى، مسلمًا كان أو غير مسلم، وهذا يثبت أنه ليس فى الحديث صحة لمن زعم أنه دليل على انتشار الإسلام بالسيف؛ لأن الأمر العام فى القرآن الكريم بالقتال يخص فئة تقف عقبة فى وجه دعوة الإسلام، أو تظلم وتطغى وتبغى على حرية الناس فى اختيار ما يعتقدون، أو تعتدى على المقدسات، أو الدماء، أو الأموال، أو الأعراض أو تنقض العهود والمواثيق؛ فقتال هذه الفئة مشروع لا يختلف عليه اثنان فى أى زمان أو مكان، و«بُعثت بين يدى الساعة»؛ تلويحًا بقرب يوم القيامة، و«جعل رزقى تحت ظل رسمى»؛ أى كناية عن الغنائم بسبب الجهاد بخلاف ما كان عليه الأنبياء قبل بعثة النبى- صلى الله عليه وسلم- حيث كانت الشرائع قبل رسالة النبى- صلى الله عليه وسلم- لا تحل لهم الغنائم بعد القتال؛ فكانوا يجمعونها ويحرقونها؛ أما شريعة الإسلام فقد فضلها الله بما خص به نبيه- صلى الله عليه وسلم- وأحل له الغنائم؛ فقال تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَإنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير» (الأنفال:41)؛ وأن مفهوم قول النبى- صلى الله عليه وسلم-: «جعل رزقى تحت ظل رمحى» على عمومه فى حق الأمة الآن أنه لا بد أن يكون للأمة جيش قوى يحمى ثرواتها وخيراتها وحدودها؛ لأن الأمة لو كان لها رمح قوى (جيش)؛ لحافظت على ثرواتها وخيراتها التى مَنَّ الله بها عليها؛ فهذه الثروات والخير محل طمع من الغرب وليس ما يتم فى البلاد حولنا ببعيد، وصدق ربنا- عز وجل- حيث قال: «مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»، هذا بالإضافة إلى أن مصالح الدين من غير هيبة السلطان لا يمكن رعايتها، السلطان والدين توأمان؛ فالدين بلا سلطان يعرف ربه، ضائع، والسلطان ظل الله فى الأرض، وتصحيح المفاهيم لهذا الفكر المتطرف يتحقق بالعدل والفكر المعتدل الوسطى ،ومن يخرج عن مفهوم هذا التصحيح فله السيف.
ولا بد أن نعى قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تشبه بقوم فهو منهم»؛ أى حُشر معهم؛ فمَنْ تشبه بالصالحين وعمل لعملهم حُشر معهم، ومَنْ تشبه بالطالحين وعمل لعملهم حُشر معهم.