في ذكرى وفاته.. كِبار العُلماء: الشَّيخ محمود شلتوت كانَ محلَّ تقديرِ دوليٍّ

قالت هيئة كبار العلماء، إنه في مِثْلِ هذا اليومِ، الثَّالثَ عَشَرَ منْ ديسمبر عامَ 1963م، المُوافِقِ السَّابعَ والعشرِينَ منْ رجبٍ سنةَ 1383هـ- تُوفِّيَ فضيلةُ الشَّيخِ محمود محمد داود شلتوت، الإمامُ الجليلُ، شيخُ الأزهرِ الشَّريفِ، والذي وُلِدَ في السَّادسِ والعشرين منْ رمضانَ سنةَ 1309هـ، المُوافِقِ الثَّالثَ والعشرين منْ أبريل عامَ 1892م، في قريةِ منية بني منصور، منْ أعمالِ مركزِ إيتاي البارود، بمُحافظةِ البُحيرةِ.

وأضافت الهيئة عبر صفحتها الرسمية على منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن فضيلةُ الشَّيخِ محمود شلتوت، نَشَأَ نشأةً دينيَّةً، فحفظَ القرآنَ الكريمَ في سنٍّ صغيرةٍ، ثمَّ التَحَقَ بمعهدِ الإسكندريَّةِ الدِّينيِّ عامَ 1906م، وحصلَ على العَالِمِيَّةِ عامَ 1916م.

وعُيِّنَ الشَّيخُ محمود شلتوت مُدرِّسًا بمعهدِ الإسكندريَّةِ الدِّينيِّ عامَ 1919م، ثمَّ نُقِلَ إلى القاهرةِ مُدَرِّسًا بالقِسمِ العالي، وفي فترةٍ منْ حياتِه عملَ فضيلتُه بالمُحاماةِ أمامَ المحاكمِ الشَّرعيَّةِ، ثمَّ عُيِّنَ فضيلتُه مُدَرِّسًا بكلِّيَّةِ الشَّريعةِ، واختارَ أنْ يُدرِّسَ مادَّةً جديدةً لم تكنْ مُقرَّرةً منْ قبلُ، هي مادَّةُ الفقهِ المُقارَنِ.

واختِيرَ فضيلتُه عضوًا في الوفدِ الَّذي مَثَّلَ الأزهرَ الشَّريفَ في مُؤتمرِ القانونِ الدَّوليِّ المُقارَنِ بمدينةِ لاهاي في هولندا عام 1937م، وتقدَّمَ الشَّيخُ شلتوت للمُؤتمَرِ برسالةٍ قيِّمةٍ، عنوانُها: «المسئوليَّةُ المدنيَّةُ والجنائيَّةُ في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ»، وقدْ نالَتِ الرِّسالةُ استحسانَ أعضاءِ المُؤتمَرِ وإعجابَهم، فأصدرُوا قرارًا بصلاحيَّةِ الشَّريعةِ للتَّطوُّرِ، وأنَّها مصدرٌ منْ مصادرِ التَّشريعِ الحديثِ، وأنَّها أصيلةٌ، وليسَتْ مُقتبسَةً منْ غيرِها مِنَ الشَّرائعِ الوضعيَّةِ، ولا مُتأثِّرةً بها، كما أصدرَ المُؤتمَرُ قرارًا بأنْ تكونَ اللُّغةُ العربيَّةُ إحدى لُغاتِ المُؤتمَرِ في دوراتِه التاليةِ، وأنْ يُدعَى إلى هذا المُؤتمَرِ أكبرُ عددٍ مُمكِنٌ منْ عُلماءِ الشَّريعةِ على اختلافِ المذاهبِ والأقاليمِ.
وبعدَ عودتِه مِنَ المُؤتمرِ عُيِّنَ وكيلًا لكلِّيَّةِ الشَّريعةِ، ثمَّ مُفتِّشًا بالإدارةِ العامَّةِ بالجامعِ الأزهرِ، ثمَّ مفتشًا بالمعاهد الدينيَّة.

وتكريمًا لجهودِ فضيلةِ الشَّيخِ محمود شلتوت صَدَرَ الأمرُ الملكيُّ رَقْمُ (24) لسنةِ 1941م باسمِ صاحبِ الجلالةِ الملكِ فاروقٍ الأوَّلِ ملكِ مِصرَ بقصرِ عابدين في الرَّابعِ والعِشرِينَ منْ رجبٍ سنةَ 1360هـ، المُوافِقِ الثَّامِنَ عَشَرَ منْ أغسطس عامَ 1941م، بتعيينِه عُضوًا بهيئةِ كبارِ العُلماءِ، بعدْ أنْ رَشَّحَتْه الهيئةُ، بناءً على قبولِ بحثِه الَّذي تقدَّمَ به للعُضويَّةِ بإجماعِ الأعضاءِ، وهو: «المسئوليَّةُ المدنيَّةُ والجنائيَّةُ في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ»، وأنعمَ عليه أيضًا بكسوةِ التَّشريفِ العلميِّ مِنَ الدَّرجةِ الأُولَى.
وقدْ كانَ أوَّلُ عملٍ قامَ به الشَّيخُ محمود شلتوت في هيئةِ كبارِ العُلماءِ هو أنَّه تقدَّمَ باقتراحٍ لإنشاءِ مكتبٍ علميٍّ للهيئةِ؛ مهمَّتُه معرفةُ ما يُهاجَمُ به الدِّينُ الإسلاميُّ والرَّدُّ عليه.

كما وضع الشَّيخُ محمود شلتوت مُؤلَّفًا بَيَّنَ فيه ما تحويه كتبُ التَّفسيرِ المُتداوَلةُ مِنَ الإسرائيليَّاتِ، وضرورةَ تنقيةِ كتبِ الدِّينِ مِنَ البدعِ والخُرافاتِ، وقدْ أُلِّفَتْ لجنةٌ لهذا الغرضِ برئاسةِ الشَّيخِ عبد المجيد سليم، وكانَتْ هذه اللجنةُ إرهاصًا بإنشاءِ مَجْمَعِ البُحُوثِ الإسلاميَّةِ فيما بعدُ، وكانَ للشَّيخِ محمود شلتوت الفضلُ في اقتراحِه والمُطالَبةِ بإنشائِه حتَّى تمَّ له ما أرادَ، وظهرَ المَجْمَعُ إلى الوُجودِ في عهدِ مشيختِه، ولا يزالُ يُؤدِّي دورَه العالميَّ الكبيرَ إلى الآنَ.

وعُيِّنَ الشَّيخُ شلتوت أيضًا عُضوًا عاملًا بمَجْمَعِ فؤادٍ الأوَّلِ للُّغةِ العربيَّةِ بناءً على مرسومِ الملكِ فاروقٍ الصَّادرِ في الحادي عَشَرَ منْ سبتمبر عامَ 1946م، ثمَّ عُيِّن مُراقِبًا عامًّا للبُحوثِ والثَّقافةِ الإسلاميَّةِ بالأزهرِ عامَ 1950م، ثمَّ مُستشارًا لمُنظَّمةِ المُؤتمرِ الإسلاميِّ عامَ 1957م، ثمَّ وكيلًا للأزهرِ والمعاهدِ الدِّينيَّةِ في العامِّ نفسِه.

وفي التَّاسعِ والعشرِينَ منْ ربيعٍ الأوَّلِ سنةَ 1378هـ، المُوافِقِ الثَّالثَ عَشَرَ منْ أكتوبر عامَ 1958م، أصبحَ فضيلةُ الشَّيخِ محمود شلتوت شيخًا للأزهرِ الشَّريفِ.
وفي عامِ 1962م، أصبحَ عُضوًا في مجمعِ البُحوثِ الإسلاميَّةِ، كما عُيِّنَ عُضوًا في اللَّجنةِ العليا للعلاقاتِ الثَّقافيَّةِ الخارجيَّةِ، وعُضوًا في مجلسِ الإذاعةِ الأعلى، ورئيسًا للجنةِ العاداتِ والتَّقاليدِ بوزارةِ الشُّئونِ الاجتماعيَّةِ، وعضوًا في اللَّجنةِ العالميَّة لمعونةِ الشِّتاءِ، وكانَ له مكانُ الصَّدارةِ في كلِّ هيئةٍ يشتركُ فيها بما يبذلُه منْ جهودٍ مُضنيةٍ، ودراساتٍ علميَّةٍ عميقةٍ.

وتتلمذَ على يديه كثيرٌ مِنَ العلماءِ، ومنْ أشهرِهم: الشَّيخُ محمد فوزي فضل الله، والدكتور محمد البهي، والدكتور محمد عبد الله ماضي، والشَّيخُ محمد الغزالي، وممَّن تأثَّرَ به أيضًا الأستاذان أحمد العسال، وأحمد نصار.

وأمَّا مُؤلَّفاتُ الشَيخِ محمود شلتوت فقدْ تنوَّعَتْ؛ نتيجةً لثقافتِه الواسعةِ، ومنها: «فقهُ القرآنِ والسُّنَّةِ»، «مُقارَنةُ المذاهبِ»، «الفتاوي» وفيه الأسئلةُ الَّتي وَرَدَتْ لفضيلتِه مِنَ الإذاعةِ وإجاباتُها، «المسئوليَّةُ المدنيَّةُ والجنائيَّةُ في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ»، «القرآنُ والقتالُ»، «الإسلامُ والعلاقاتُ الدَّوليَّةُ في السِّلمِ والحربِ»، «الإسلامُ والوجودُ الدَّوليُّ للمُسلِمين»، «إلى القرآنِ الكريمِ»، «الإسلامُ عقيدةً وشريعةً»، «منْ توجيهاتِ الإسلامِ»، «تفسيرُ الأجزاءِ العشرةِ الأولى مِنَ القرآنِ الكريمِ»، «الإسلامُ والتَّكافُلُ الاجتماعيُّ».

وقدْ كانَ فضيلتُه محلَّ تقديرِ دوليٍّ، فقدْ منحَتْه جامعةُ (ميدان) بإندونيسيا الدُّكتوراه الفخرية، وكذلك الجامعةُ الإسلاميَّةُ بجاكرتا، وجامعةُ شيلي، ، كما حَصَلَ على درجةِ الأستاذيَّةِ الفخريَّة منْ حكومةِ الكاميرون، وحصلَ على قلادةٍ فخريَّةٍ منْ رئيسِ الكاميرون؛ تقديرًا لدورهِ في خدمةِ الإسلامِ والمُسلِمين، وعُيِّنَ رئيسًا فخريًّا للجامعةِ الإسلاميَّةِ بالفلبين، ومُنِحَ وسامَ العرشِ مِنَ الملكِ محمَّدٍ الخامسِ ملكِ المغربِ، ووسامًا مِنَ الملكِ محمد طاهر شاه ملكِ أفغانستانَ، ووسامًا مِنَ الفريقِ إبراهيم عبود رئيسِ جمهوريَّةِ السُّودانِ.

وبعدَ هذه الرِّحلةِ الطَّويلةِ مِنَ العطاءِ وبذلِ العلمِ والدَّعوةِ لدينِ اللهِ خرجَتْ روحُه إلى بارئِها في مساءِ ليلةِ الجُمعةِ -ليلةِ الإسراءِ والمعراجِ- وأدَّى المُصلُّون عليه صلاةَ الجنازةِ في السَّابعِ والعشرين من شهرِ رجبٍ سنةَ 1383هـ، المُوافِقِ الثَّالثَ عَشَرَ منْ ديسمبر عامَ 1963م.
رَحِمَه اللهُ رحمةً واسعةً، وأنزلَه منازلَ الأبرارِ.

زر الذهاب إلى الأعلى